“يا أوباما يا أوباما فيه بينا مليون أسامة” هكذا رددت بعض الجماهير الغاضبة أمام السفارات الأمريكية في عدد من المدن العربية التي كانت تغلي تحت نار الغضب بسبب الفلم الذي أساء للإسلام ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم, وأصبح بين عشية وضحاها حديث العالم أجمع, خصوصا بعد استهداف القنصلية الأمريكية في بنغازي, واغتيال السفير الأمريكي هناك وعدد من منسوبي السفارة الذين لا تربطهم علاقة لا من بعيد أو من قريب بالفلم المسيء.
العواطف قادت الأجساد نحو التدمير والتكسير والصراخ, حتى امتلأت الساحات أمام السفارات الأمريكية وباتت تفوح رائحة الغضب والرغبة بالانتقام تحت شعار “إلا رسول الله”.
أول ما خطر في بالي حينما تابعت ردّات الفعل المتسارعة تجاه هذا الحدث, هو سؤال بسيط ماذا كان سيفعل رسول الله لو كان بيننا؟ هل كان سيحث شباب المسلمين على القتل والعنف والترهيب؟ هل كانت سيرضيه صلى الله عليه وسلم أن يقتل معاهدا آمنا في إحدى أراضي المسلمين؟ هل كان سيعتبر الهجوم على رجال الأمن أمام بعض السفارات وإسقاط عدد من الجرحى الأبرياء إحقاقا ً للعدل ورفع لراية الإسلام النبيل العادل السمح؟ أعتقد أن الإجابة ستكون بالنفي القاطع, وسيبدو كل ما يفعله ذلك الشباب الغاضب تصرفات طائشة وعشوائية لا تمت لروح الإسلام السمحة بصلة.
وحين نعود للتاريخ ونستحضر بعض من مواقف رسول الله نجده عليه السلام أطهر الناس وأكثرهم حلما ورأفة.. فقد دخل أعرابي إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشمر عن ثوبه وأخذ يبول في المسجد, فقام إليه أحد الصحابة (رضوان الله عليهم) يريد زجره وردعه وهو في غاية الغضب, إلا أن رسول الله أمسك به ومنعه خشية “ترويع” هذا الأعرابي, وبعد أن انتهى الأعرابي أتاه رسول الله يبين له خطأ ما قام به بهدوء ومن دون غضب, وأمر الصحابة ان يحثوا التراب على نجاسة الأعرابي.
حين نقارن ما يحدث اليوم من فوضى وعنف بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم وتعامله الهادئ والأخلاقي وتطبيقه لقوله تعالى: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} مع المسيء نجد الفرق شاسعا ومؤلما.
سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم زاخرة بتلك القصص فهو من قال حينما أسر بعض صناديد قريش ممن عذبوه وشتموه واتهموه بأبشع التهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. فقال مقولة تمثل قمة شموخ الصفح والعفو عند المقدرة “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
في الواقع هذا هو رسولنا الكريم الذي مازلنا نذوب حبا ًوشوقا ًللقائه كلما تعرفنا عليه أكثر, وأتفهم جيدا مشاعر الغضب التي يشعر بها الملايين, ولكن هناك طرق حضارية للتعامل مع الموقف, منها أن نقوم بحملة مضادة وننشر سيرة نبينا الرائعة عبر وسائل الإعلام المختلفة, وأن نعري عنصرية الكاتب المقيتة, الذي اتضح لاحقا ً انه سجين سابق متورط بقضايا احتيال وتجارة مخدرات, كل ما يريده هو الشهرة والمال وهو ما حققناه له وقدمناه على طبق من ذهب بدل أن نتبع قول عمر رضي الله عنه “أميتوا الباطل بالسكوت عنه, ولا تثرثروا فينتبه الشامتون” كما أننا خسرنا على جبهة أكبر وأخطر, وهي أننا شوهنا صورة الإسلام, حينما رددنا الإساءة بالإساءة, وزدنا حالة الاحتقان واستبحنا من استأمننا على نفسه وماله وعرضه, هناك المئات من الأفلام والكتب والمقالات التي تسئ كل يوم للإسلام والمسلمين, ولكن واجبنا ليس أنا نعادي من يصنعها, بل واجبنا يكمن في محاولة إبطال مبدأه.
نصرة رسول ليست بالصراخ كما انها ليست محصورة في المواقف الساخنة, إنه مشروع يومي يجب ان نمارسه بالاقتداء بحلمه وتواضعه ورحمته, فكم من واحد بيننا يتبع رسول الله بالملبس والهيئة, ولكنه في تعامله اليومي مع محيطه لا يعرف السلوك الإنساني, لا تعرف الابتسامة طريقه إلى ثغره, ولا تعرف الرحمة مكانا في صدره, وهو بصفة عامة “فض غليظ القلب”.
أخيرا كم من شخص كان يبغض الرسول ويتمنى ذبحه بيديه لو أمكنه ذلك, ولكنه بعد أن قابله ولمس طيبة قلبه وعظمة خلقه صدق رسالته ودخل في دينه وصار أحب اليه من نفسه فألا نعتبر؟
“أيّها المراؤون توقفوا عن الدفاع عن الله بقتل الإنسان, ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرّف على الله” -جبران خليل جبران
Twitter:@lubnaalkhamis