أن تنادي حياً ويستجيب لندائك فذاك أمر بدهي، أمر ممكن لاسيما إذا كان هذا الحي سليم الحواس، ويتسم بسمات النخوة والشهامة والرجولة، فكونه خاليا من الموانع الصحية يضمن إمكان التواصل، وأخص الخلو من الموانع ذات الصلة بحاسة السمع تحديداً، حيث إنها الحاسة الرئيسة المعنية التي تمكن الحي من الاستجابة للمثيرات الحسية والمعنوية التي تثار حوله، وهذا يعني أن الحي قد لا يستجيب للنداء في حالة كونه مصاباً بالصمم، أو لكونه من غير المبالين بالآخرين، فمن المؤكد أن الحي لن يستجيب للمثيرات عندما تكون كل منافذ الإحساس عنده معطلة، ولن يستجيب إن كان لئيما عديم النخوة، لأن الاستجابة تتم بعد إثارة العاطفة، وهي ترتبط في الأصل بوصول المثير عبر الممرات العصبية إلى مراكز الإحساس في المخ التي تترجم المثير ومن ثم تتحدد طبيعة الاستجابة المطلوبة وفق الدلالات الإدراكية التي وقرت في عقل المستجيب.
هذه هي حال الحي، فما بالك بالميت، حتما لن يستجيب البتة، لأن كل منافذ الأحساس عنده وما يتبعها من ممرات عصبية ومراكز إحساس معطلة تماما لكون الشخص أضحى ميتا خارج إطار الحياة بكل معانيها الحسية والمعنوية، لذا فإنه أمر بدهي ألا يستجيب الميت للمثيرات لكونه انقطع عن الدنيا، وقد يكون الموت معنوياً، فالحي الذي لا يتفاعل مع المثيرات حوله، يعد بمثابة الميت، حيث لا فرق بين الاثنين، لأن كليهما منقطع عن الحياة والتفاعل معها، فلا يستجيب للمثير من حوله، ولا يتفاعل مع ما يطلب منه فعله، لهذا قيل:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
معلومة مفهومة حالة الانقطاع عند الحي، والتي تحصل غالباً بسبب إصابة منافذ الإحساس بصفة جزئية أو كلية، وكذلك هي حال الميت، ولكن ماذا عن الحياء؟ هل تنقطع أسباب الحياء؟، هل يموت الحياء؟ يبدو أن الحياء مثل الحياة تماماً، حيث يحصل على الحياء ما يحصل على الحي من معوقات تحول دون الحياء والتفاعل مع المثيرات من حوله، إلا أن الفرق بينهما يتمثل في وضوح المعوقات التي تحول بين الحي والاستجابة للمثيرات، وغموض تلك المعوقات فيما يتعلق باستجابة الحياء للمثيرات، حيث تتطلب موقفاً منه وتفاعلاً آنياً معه.
أجزم لو أن قائل البيت السابق حي بيننا الآن، لهاله موقف الأمة العربية خاصة والعالم عامة من الأحداث المأساوية والمجازر اليومية والتدمير المتعمد الذي يقوم به الأسد وزبانيته ضد مقدرات سوريا وطنا وبشرا، وما يتسم به هذا الموقف من بجاحة غير مسبوقة، فالصمت والخذلان والتخلي المتعمد عن نصرة المظلومين في سوريا أمر حارت فيه أعتى العقول فهما ورجاحة وفصاحة، لو أن قائل البيت حي لغير مضمونه إلى التالي:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا (حياء) لمن تنادي
الحياء خلق كريم، يدفع صاحبه إلى فعل كل ما هو مليح، ويمنعه من الاقتراب من كل ما هو قبيح، الحيي شخص حباه الله جملة من الخصائص التي تسمو به عن مواطن النقص، وتعزز فيه التواصل مع الآخرين، وسمات نبيلة تقربه من قلوب محبي فضائل الأعمال ومحامد الأفعال، الحيي كل الجسور ممهدة أمامه تسهل مهمة الاتصال به، والاقتراب منه، الحيي قريب من الله، لأن حياءه يمنعه من أن يغشى محارم الله ومكارهه، قريب من الناس لأن حياءه يمنعه من أن يتعدى على حقوق الآخرين، أو يظلمهم بالتعدي والعدوان، أو يتخلى عن نصرتهم في حال طلب النجدة والمساعدة.
إن مشاهد الرعب التي يعيشها السوريون لم يعد أحد يتحملها رؤيتها، فأخبار نقص الماء والغذاء والقتل وتدمير الممتلكات والبنى المجتمعية والتحتية تتداولها وسائل الإعلام المرئي بصور تقشعر منها الأبدان، ومع هذا مازال الضمير العالمي ميتا، حقا إنه عالم بلا حياء.