البطولات الجماهيرية..

يجب أن ندرك ان هناك من الأشخاص من يحاول أن يصنع له بطولة جماهيرية بأي طريقة كانت وعلى حساب أي مصلحة تكون.. يريد أن يكون بطلا أمام الجماهيركأنه يتكلم باسمهم وكأنه منهم

ويعيش من أجلهم.. ولتحقيق هذا الهدف يسعى لأن يكون نجما في قضية أو موضوع أو حادثة أو مناسبة، وأول ما يسعى إليه هو أن يختار الوقت المناسب والقضية المناسبة والوسيلة المناسبة حتى يخرج الى الجماهير كأنه الشخصية الموعودة التي كانت تنتظرها الجماهير، وهو الذي يدافع أو يحامي ويحقق من لم يحققه غيره من الناس..

أُناس من مختلف القطاعات فجأة يظهر ليكون هو النجم الذي تنتظره الجماهير من كل مكان، وهو يرى في نفسه أنه صاحب الكلمة العليا والرأي الأوحد الذي يتناسب مع وضع حلول لمثل هذه المشكلة أو القضية أو الطرح، ويرى في نفسه أنه أصبح بطلا جماهيريا تعود إليه الجماهير في كل صغيرة وكبيرة، وربما يتمادى تدريجيا ليصبح صاحب فتوى في كل شاردة وواردة، ظنا منه أنه صاحب مشروع وطني أو قومي أو أممي ويجب أن ينصت إليه عامة الجماهير وكافة النخب في المجتمع..

وقد وفرت وسائل الإعلام الاجتماعي لهؤلاء فرصة ذهبية ودورا تاريخيا لم يكن يحلمون به، فأصبحوا أبطال المرحلة ونجوم القضايا الوطنية ومترجمي المشاعر الجماهيرية ومدافعي حقوق الناس ومصالح المجتمع.. أو كما يظهر أمام الناس وأمام جماهيرهم.. هؤلاء هم أبطال انتهازيون يحاولون أن يظهروا بطولاتهم بمختلف الوسائل وبالدخول لأي موضوع أو قضية ليس من أجل القضية أو الموضوع وليس من أجل عيون الجماهير ولكن من أجل أن يصلوا الى مرحلة جديدة من النجومية التي لم يكن ليكتسبوها دون أن تتاح لهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال أعمدة الرأي في الصحافة اليومية أو المجلات الأسبوعية..

يجب أن أعترف أن هناك نجوما حقيقيون هم قادة رأي في المجتمع وفي وسائل الإعلام وفي الشبكات الاجتماعية، وهم قادرون بالرأي والمعلومة والخبرة أن يطرحوا فكرهم ويعرضوا خبراتهم بمنطقية وبعقلانية وبهدف يصب في خدمة المجتمع ومصلحة الناس.. وهؤلاء يجب أن نعرفهم دون غيرهم ممن وضع نفسه نجما وبطلا لقضية أو موضوع بهدف صناعة نجومية مزيفة له، قد يدركها الكثير ولكن تغيب عن القليل.. ولهذا فالساحة التي يعبث فيها الأبطال المزيفون هي ساحة انعدام الجاذبية أمام أنصارهم ومواليهم، وعدم إدراك اليقين من الشك، والحق من الصواب..

وتزداد نجومية الأبطال المزيفين كلما وجدوا التصفيق أو التعليق أو التمجيد لما يكتبونه سواء أكان في كلمات ينثرونها بدون اكتراث أو مقال مبجل منشور في صحيفة محترمة ولها مكانتها الاجتماعية المرموقة.. وهناك تنافس بين هؤلاء الأبطال المزيفين فمن يستطيع أن يتعسف الحقائق ينال نجومية أكثر ومن يتمكن من أن ينال من وحدة الوطن وتماسكه يحقق الامتياز الأكبر والجماهيرية الأكثر.. هؤلاء فيما بينهم يتنافسون على من ينال من مؤسسة أو شخصية أو قيمة اجتماعية أو ممارسة مهنية أو حتى كيان دولة أو أمة.. ويصبح مقياس النجومية من ينال ممن؟ ما ذا أقول وعمن؟ بغض النظر عن المصداقية التي كان يجب أن تكون هي المحك الأساس في القول والكلمة والتعبير..

النجومية أصبحت مطلبا للكثير، وقد يصلها بعضهم بطرق مشروعة ونتيجة جهود صادقة ووفق معطيات المصالح الوطنية أو المؤسسية، ولكن بعضهم، بل نسبة كبيرة منهم يصلون إلى مثل هذه النجومية بطرق غير مشروعة وبهدف واحد فقط هو الوصول إلى النجومية مهما كانت الوسائل والمسببات.. الغاية هنا - للبطولات المزيفة - تبرر الوسيلة.. غاية النجومية تضرب بكل شيء من أجل الوصول إليها..

وما ندعو له في هذا السياق هو النظر في مسألتين، هما: نحن لسنا ضد النجومية التي تتحقق لأفراد في أي موضوع أو مجال ما دامت تسعى إلى تحقيق مصلحة وطنية، ولكن ما نراه غير مناسب هو أن تكون مثل هذه البطولات والنجومية على حساب مصلحة وطنية وتسعى الى دك قيم وانتهاك تقاليد أو تدنيس معارف انتهجها المجتمع من قرون أو عقود سابقة، وهي التي شكلت لحمة الوطن وأنعشت الحياة وبنت هياكل المجتمع والدولة التي عاش أجدادنا وآباؤنا ونعيش نحن ويعيش أبناؤنا وبناتنا في كنفها.. أما المسألة الثانية فهي أن يتنبه أصحاب الأقلام وأصحاب الحضور الجماهيري من على منابر الإعلام الجديد إلى أهمية كل كلمة تقال أو حرف يكتب، لأن من شأنها أن تشوش الفكر أو تضلل الجماهير أو تزيف المواقف نحو المجتمع.