يعتقد كثير منا -للأسف- أن العالم حشد قوته وإمكانياته لغزو العرب والمسلمين ثقافياً وعسكرياً، وأن كل بلدان العالم تخطط للانقضاض على العالم الإسلامي، لتقتل المسلمين وتقضي على الإسلام!
ويتوقع العوام أن الرئيس الأمريكي يدخل مكتبه كل صباح ويجتمع بكبار مستشاريه وقادة جيشه والموضوع الأهم الذي يناقشوه «كيف ندمر الإسلام والمسلمين»! وأن الخطط تحاك...
... والمؤامرات تدبر في البيت الأبيض لزعزعة البلدان الإسلامية وتشويه ديننا!
الحقيقة، أن لا أحد يفكر بنا نحن العرب والمسلمين ولا يكترث أحد بممارساتنا التعبدية، ويحترم الجميع إيماننا ومقدساتنا ورموزنا على المستوى الرسمي على الأقل، وأن كل إساءة توجه إلينا تعود لسببين رئيسين: الأول العنف الذي يمارسه المتطرفون، أصحاب الغايات الخبيثة، ومن وراءهم الأتباع الذين لا يفهمون الدين وتعاليمه بشكل صحيح، والسبب الثاني تقوقع العرب والمسلمين وانغلاقهم، ورفضهم للتنوع والامتزاج الثقافي والديني، وهذا يعود للخطاب المتطرف والفهم الخاطئ للدين الإسلامي، الذي هو في الحقيقة يقبل كل أشكال الاختلاف ويحترم الجميع ويحسن للجميع.
ظهرت مصيبة التعبير الخاطئ عن رفض إساءة متطرفين مسيحيين أو يهود للإسلام أو للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في مواقف عديدة، فالعرب والمسلمون يعبرون عن رفض الاساءة بأسلوب أبشع من الإساءة، ويؤكد للأسف في عقل المختلفين عنا، أن ما يذكر من إساءات صحيح! وهذا أشد ضرراً من رسم كاريكتير أو فيلم أو كتاب، لأن الإسلام أكبر وأعظم من أن يشوهه حاقد هنا أو كاره هناك، لكن أن يمارس أبناء الأمة الإسلامية العنف والوحشية واستخدام السلاح تجاه الأبرياء، فهذا أشد ضرراً وأكثر تأثيراً على الإسلام والمسلمين.
نحن نظهر بهذا الشكل المقرف بإرادتنا، عندما نلقي الحجارة على سفارة دولة، أو نقتل سفيراً، أو نفجر أو نستخدم العنف بأي شكل تجاه المختلف عنا، بحجة أن شخصاً معتوهاً ينتمي لذات البلد قام بعمل مسيء!
وبإمكاننا أن نعبر عن رفضنا بأسلوب واع يعبر عن حقيقة ديننا ورسالة نبينا الكريم عليه السلام، وأن لا نلبس الدين لباس الهمجية والظلامية والتطرف، وهذا في الحقيقة أبعد ما يكون عن ديننا، ولا يمثل سوى أتباع الشيطان من التفجيريين والتكفيريين، الدعاة الذين يقفون على أبواب جهنم.
يعتقد أولئك الذين يتجمهرون أمام السفارات الأمريكية، بعد أن أنتج متطرف مغمور فيلماً رديئاً عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أنهم يكملون مسيرة قادة الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام، وأنهم جيوش تريد إعلاء الحق! وهذه مشكلة خطاب ديني سيئ، يجيش المشاعر ويعلم الكراهية، ويُبعد عن عقول الشباب المسلمين معاني التعايش والتسامح التي يحملها دينهم، ويعيشهم في تاريخ غابر، ولا يوجه عزائمهم إلى صناعة حاضرهم بالعلم والتقنية والابداع.
تجييش المشاعر الدينية ومن ثم عسكرة هذه المشاعر، يجلب الويلات ويزيد نكبات أمة ابتعد كثير من أبنائها عن كتاب الله، واستلهموا أقوال وأفعال المتطرفين وانشغلوا عن دينهم بالسفاسف، وإتبعوا الشيطان واخوانه من تجار الدم وممن يستثمرون في الجهل والفقر ليخدموا مصالحهم الدنيوية باسم الدين.
إسلامنا عظيم، ونبينا وحبيبنا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لا يقبل أي مسلم بأن تمسه إهانة من أي كان، لكن علينا أن نقتدي به ولا نشوه ديننا بانفعالات جاهلة وردود فعل حمقاء.
Towa55@hotmail.com@altowayan