|
الجزيرة - سلطان المواش :
لم يدر بخلد الأخصائي الاجتماعي عبدالعزيز القحطاني.. أن ذلك اليوم الذي سيذهب فيه إلى عمله بالمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية ومن ثم يصطحب مجموعة من الأيتام إلى متنزه الثمامة بالرياض هو يومه الأخير في هذه الحياة..
وكأن قدر الأوفياء النبلاء أن لا يرحلوا بصمت.. بل يكون رحيلهم الكبير عطاءهم يرد لهم شامخاً ومؤثراً.. وبالفعل هذا ما أثبته فدائي الأيتام عبدالعزيز القحطاني ـ رحمه الله ـ عندما ضحّى بروحه حماية لأحد الأيتام من الموت حيث قضى الفقيد القحطاني رحمه الله إثر حادث دهس لدى اصطحابه مجموعة من أبناء الوزارة الأيتام إلى متنزه الثمامة.. حينها باغتهم أحد الأيتام بالسيارة التي لم يحكم السيطرة عليها نظراً لكونه مبتدئاً في السواقة ليقفز الزميل الراحل رحمه الله من مكانه باتجاه يتيم كانت ستصطدم به السيارة.. ومن ثم يزيحه عنها ويقضي هو ـ رحمه الله ـ تحت عجلاتها.. فهذا الرحيل الكبير لعبدالعزيز ـ رحمه الله ـ ما هو إلا امتداد شامخ لوجهه المشرق وصفحته البيضاء الناصعة مع الأيتام الذين كان لهم أخاً وأباً وصديقاً وفياً وليس مجرد موظف أو أخصائي يؤدي عملاً مؤطراً بحدود الزمان والمكان..
وفيما يرويه أحد الأيتام الذي يفضل أن يصف نفسه بـ «اليتيم مرتين» الأولى بيتمه من والديه والأخرى بفقده عبدالعزيز القحطاني ـ رحمه الله ـ أن الفقيد قرر أن يصطحب الأيتام إلى متنزه الثمامة بالرياض ليضفي على إجازتهم الأسبوعية مذاقاً حياً وحيوياً كغيرهم من أبناء أي أسرة من الأسر في المجتمع خصوصاً عندما تكون الأجواء مؤذنة بمزيد من المتعة والسعادة حين تتقاطر الجموع رجالاً ونساءً شابات وشباباً إلى فضاء الصحراء الذي يزدان في تلك الفترات بنتوءات الخيام وإشعال النار والحطب..
ويواصل (اليتيم مرتين) حديثه قائلاً: كنّا نقضي وقتاً أسرياً بهيجاً بكل معاني الوصف برفقة فقيدنا عبدالعزيز القحطاني رحمه الله الذي اصطحبنا بسيارته الخاصة حينما قام أحد الإخوة الأيتام ـ وقد كان يتعلم قيادة السيارة ـ فبينما كنا نستمتع متحلقين حول النار أمام خيمتنا فوق رمال صحراء الثمامة حدثت الفاجعة برحيل الشخص الأعز إلى قلوبنا.. رحل بما يحمله في قلبه من حب لا يحد ولا يعوضه حب..
ويتحدث مجموعة من الأيتام عن عبدالعزيز مؤكدين أن خسارتهم برحيله لا توصف.. فهو بصدق أنموذج مشرق لكثير ممن يتولون شؤونهم ويقومون على أمرهم في الوزارة من حيث التعامل الأخوي والعطف والوفاء معهم في أي موقف.
هذا الشعور الغامر بحجم الفاجعة لدى الأيتام قابله شعور بالفخر والاعتزاز ممزوجاً بلوعة الفقد التي طغت نبراتها على لسان أخيه وهو في كلماته التي صاحبت تقديم الوسام حيث قال عنه: إنه رجل عاش اليتم قبل أن يعايشه فاختار أن يكون أبا لمن لا أب له.. صنع لهم أنس يخصهم .. مسح بحنو على رؤوسهم.. قلبه ما ضاق بهم حمل من همهم الكثير .. ومع هذا كانوا عيده كل عيد..
ولقيت حادثة رحيل القحطاني اهتماماً بارزاً في مختلف الأوساط الإعلامية والاجتماعية في حينها.. وهو ما توجه التوجيه السامي الكريم بمنح الفقيد يرحمه الله وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى.. وهو الوسام التقديري الذي يُمنح لمن يؤدي خدمة كبرى للدولة أو لأحد مؤسساتها أو يقوم بخدمة أو أعمال ذات قيمة معنوية هامة أو لمن يقدم تضحيات كبيرة.. حيث قدم وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين الوسام لذويه في مكتبه بالوزارة مؤكداً على أن هذا التكريم المستحق إنما هو في حقيقة الأمر تكريم لكل وطنيٍّ مخلص نذر جهده وحياته لخدمة هذا الوطن الأثير.. فكيف بمن يبذل نفسه فداء لهذا الوطن ومواطنيه.. حيث رفع الوزير العثيمين شكره وتقديره للمقام السامي الكريم على هذه اللفتة الأبوية الوطنية الحانية..
أسرة الفقيد لن تعدم الكلمات لتعبر بفخر عن فقيدها أما نجليه مهند و حور عندما يتجلجل السؤال في شفتي كل منهما (وين بابا)..