الجزيرة - د. حسن الشقطي :
أصبحت بورصات الأوراق المالية تمثل أحد أركان الاقتصاد العالمي، وهي صاحبة المصدر التمويلي الأكبر للمشروعات الكبرى والإستراتيجية التي تتجاوز حدود مستثمر وحيد أو مجموعات مستثمرين منفردين .. ولم تعد هناك دولة لا توجد فيها بورصة للأوراق المالية.. بل إن الفترة الأخيرة شهدت تنافسات دولية كبرى على جذب المستثمرين الدوليين لبورصاتها الوطنية .. ورسملة هذه البورصات باتت تعتبر مقياسا على تطور القطاع الاستثماري بكافة الدول، وتركيباتها أصبحت تعتبر مقياسا على تنوع الأنشطة بسوقها المحلي .. فما هي أكبر هذه البورصات الدولية ؟ وكيف تغيرت على مدى العام المنصرف ؟ وما هي المرتبة التي يحتلها سوق الأسهم السعودي بينها ؟
رسملة البورصات العالمية في 2012م تتجاوز 50 تريليون دولار
حسب أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي (لنحو 183 دولة) وصل في عام 2011م إلى حوالي 78.9 تريليون دولار .. في المقابل، فإن حجم رسملة حوالي (52) بورصة عالمية تمثل كبار البورصات بالعالم وصل إلى حوالي 50.2 تريليون دولار .. ومن الواضح أن هناك ثمة علاقة بين قيمة الناتج ورسملة البورصات، بل إن هاتين القيمتين تقترب من بعضهما كثيرا، بما يدل على أن جزءا كبيرا من الناتج يتحرك أو يتطور عبر بوتقة البورصات العالمية. وقد جاءت بورصة نيويورك الأمريكية في المرتبة الأولى بين البورصات العالمية من حيث رسملتها السوقية بقيمة تصل إلى 13.2 تريليون دولار .. في حين جاءت في المرتبة الثانية بورصة NASDAQ الأمريكية أيضا بقيمة 4.5 تريليون دولار .. ثم بورصة طوكيو وبورصة لندن بقيمة 3 تريليون دولار لكل منهما .. وجاءت في المرتبة العاشرة البورصة الألمانية بقيمة 1.2 تريليون دولار.
تغير سلبي للبورصات العالمية خلال الـ12 شهرا المنصرفة
من الأمور الملفتة هو التغير السلبي لغالبية البورصات العالمية خلال العام المنصرم (يوليو 2011م- يوليو2012م)، حيث تراجعت رسملة البورصات الـ (52) العالمية المبوبة في تقرير البورصات العالمية بنسبة 8.1%، وحققت 39 بورصة دولية تراجعا في رسملتها، كان أعلى هذه الانخفاضات ببورصة قبرص التي تراجعت بنسبة 64.1% ، تلاها بورصة أثينا التي تراجعت بنسبة 53.3% .. في المقابل، فقد خرجت (11) بورصة دولية بمكاسب في رسملتها السوقية، جاء على رأسها بورصة إيرلندا Irish SE بمكاسب 44.2%، تلاها مكاسب بنسبة 22.4% لبورصة الفلبين، ثم مكاسب بنسبة 15.5% لبورصة كولومبيا ..أما السوق السعودية، فقد ربحت خلال نفس هذه الفترة نسبة 7.5%. الشاهد أن هناك بورصات تحقق صعودا كبيرا وقويا في رسملتها، مثل البورصة الإيرلندية التي ارتفعت رسملتها بمقدار يقترب من نصف قيمتها السوقية .. ولم نلحظ تذمرا أو اتهامات بأنها خرجت عن السرب ، رغم أنه غير معلوم هل هي زيادة مقبولة أم غير مقبولة اقتصاديا .. إلا أنه من الواضح أن تباين مؤشرات البورصات لا يعتبر أمرا نشاذا في البيئة الاقتصادية الدولية .. بشكل يجعلنا نتقبل (ولا نتخوف كثيرا) من أي تقلبات تحدث في سوق الأسهم المحلي كأمر معتاد.
سوق الأسهم السعودي يحتل المرتبة (26) بين البورصات العالمية
من الأمور الملفتة للنظر أن السوق السعودي احتل المرتبة (16) بين البورصات العالمية في عام 2006م من حيث تحقيقه لأعلى قيمة تداول، وجميعنا يعلم أن هذه القيمة جاءت نتيجة حركة المضاربات التي نشطت في هذا العام .. أما في 2012م، فإن السوق السعودي أصبحت يحتل المرتبة (26) حسب رسملة السوق ليس بناء على مضاربات، ولكن عن جدارة واستحقاق بعد تحقيقه لأعلى درجة استقرار بناء على الإصلاحات التي أنجزتها هيئة السوق المالية على مدى الاعوام الخمسة (2007-2011م)..
رسملة السوق السعودي بدون انفتاح كامل
جدير بالملاحظة أن رسملة السوق السعودي -كما يشير الجدول رقم 1 بلغت حوالي 365 مليار دولار- هي رسملة للسوق في ظل انفتاحه لرؤوس الأموال الوطنية والخليجية والمقيمين فقط، إلا أن السوق لم ينفتح حتى الآن بالشكل الكامل لدخول رؤوس الأموال الأجنبية .. لذلك، فإن مقارنته بالبورصات العالمية لا يعتبر أمرا عادلا .. فكل البورصات العالمية هي بورصات مفتوحة أمام المستثمرين المحليين والأجانب بشكل كامل .. ولا تمتلك أي قيود على عملية التداول .. لذلك، فإنه إذا كان السوق السعودي يحتل المرتبة (26) بدون انفتاح كامل، فإنه رسملته قد تصل إلى قيم أعلى كثيرا عندما يحقق الانفتاح الكامل، وبالتالي فإن مرتبته قد تتقدم لتحتل مراتب متقدمة ما بين البورصات الـ (15) الأولى .. لذلك، فإن سوق الأسهم المحلي يمتلك فرصا استثمارية سانحة خلال السنوات المقبلة باختيار الطريق الأمثل للسماح بالتداول المباشر للأجانب بالسوق.