فوز الشاعرة السودانية روضة الحاج عثمان، بلقب شاعرة عكاظ للعام 2012م، هو فوز لكل مبدعة عربية، وتخليد لحروف الخنساء التي كانت تصدح في خيام عكاظ شعراً يتذوقه العرب، وفخرا يعلنه الرجال بها، وأولهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كانت تُلقي أشعارها أمامه فيقول لها (هيه يا خناس) ويومئ لها بيده إعجاباً.. كان هذا المشهد المختصر هو ما تحرك أمامي وأنا أرى راعي عكاظ الأمير خالد الفيصل، يُقلد روضة الحاج بُردة الفوز، في حالة يتحدث فيها الإبداع وحده دون تمييز بين امرأة ورجل، كما هو الحال أيام العرب وبعد أن انبثق نور الإسلام، فلم يكن آنذاك في عصر الإسلام الذهبي، من يقول: (اصمتي يا امرأة فإن صوتكِ عورة!).
إن خروج سوق عكاظ، في الأرض نفسها، والمكان ذاته بكل دلالاته، يبعث الحياة له من جديد، لتكون مدينة الطائف رمزاً للعروبة والفصاحة والكلِم المصفوف فناً أخذناه عن جدودنا، إلا أن تغيرات الزمن حاولت أن تمحو كل ذاك التراث، وتلك الحضارة التي تُعطينا معاني الامتداد ما بين التاريخ والمستقبل، هذا كله ظهر بالعزيمة والإصرار والتحدي في أن يُبعث سوق عكاظ من جديد، بملامحه وأشكاله وآدابه، هذا السوق -الرمز- الذي امتد عمر ولادته لأكثر من 15 قرناً، أتى ليُعطينا الحق أن نفتخر بهذه الأرض، وما كان عليها، وأن الروح الأصيلة لا يُمكن أن تموت، روح سوق عكاظ خرجت وها هي تنمو وتكبر، فمن يراه هذا العام سيلمح تطوراته عن الأعوام السابقة، ويشعر بالتدرج في بنائه ليعود صرحاً عربياً نفتخر به، ولنا الحق.
إن كنت قد ذكرت في مقدمتي الخنساء، فإن هذا ليس تشبيها بينها وبين روضة الحاج صاحبة التجربة الشعرية المختلفة، إنما تشبيها للحدث والموقف، والحالة الإبداعية التي تنظر للإبداع نظرة مجردة من دون أي تصنيف، كالذي نراه ونسمع عنه حاليا من أدب نسائي وأدب رجال، وتصنيفات غريبة على الإبداع، وهذا من أشكال التغييرات الملوثة بأشكال التمييز والإقصاء الذي تعانيه المرأة، ورمزية فوز روضة الحاج، لا نُلام فيها نحن النساء بعد ما طرأ علينا ما طرأ، فلم يُقال عن شعر الخنساء يوما شعراً نسائياً، كما أن ما ذكرته الشاعرة الفائزة بعد ما قدمت الثقة بنفسها أولا، بتوقعها الفوز لأنها واثقة من تجربتها الشعرية، مع ذلك استدركت بجملة مهمة للغاية هي: “بالرغم من معرفتي بحظ الرجال”، نعم المرأة تحتاج أن تثق بنفسها ولا تلوم الحظ بالرغم من ميله الذكوري في مجتمعاتنا الذكورية، لأن فكرة الشعور باليأس والإحباط بحد ذاتها، هي من توقف العزيمة والإصرار على التقدم، حتى في المجتمعات التي يقل فيها حظ المرأة، لأن الرجل هو من يأخذ كل شيء، حتى وإن كان هناك “امرأة” أفضل منه، فهو المُرشح الأول دوماً!
احتفالية سوق عكاظ بحد ذاتها، مع كل ما ترمز إليه، هي احتفالية تأخذ من التاريخ جمال المستقبل، أما القصيدة التي فازت بها شاعرة عكاظ، فهي لها دلالة أخرى، لأن عنوانها: “انعتاق” وهذا العنوان بحد ذاته، كما هو معناه لكل امرأة.
www.salmogren.net