ثلاثة وعشرون مليوناً وخمسمائة ألف ريال سعودي (23.500.000) رقم جديد يضاف إلى سجل تبرعات معالي الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد، وقد ظل هذا الرقم الضخم بعيداً عن الأضواء ولا يعرف عنه إلا القلة القليلة من المقربين والمهتمين بالشأن الثقافي/ الوطني منذ أواخر الثلث الأوسط من شهر رمضان المبارك المنصرم وحتى منتصف هذا الأسبوع، إذ أشاع هذا الخبر المفرح لكل مثقف سعودي والحائليين منهم على وجه الخصوص كاتب الجزيرة القاص المعروف الأخ الزميل عبد الحفيظ الشمري في زاويته الأسبوعية “بين قولين”.
إن القارئ في سيرة الرشيد يلحظ أن دوافع وبواعث البذل لديه تتعدد وتتنوع فمنها ما هو إنساني صرف ومنها ما هو ديني خالص وهناك العلمي الأكاديمي وكذا الاجتماعي والصحي والشبابي المحلي الوطني منه أو العربي أو حتى العالمي... وما يهمنا هنا هو الدافع والباعث الثقافي / المحلي الوطني، إذ من هذا الباب يأتي هذا التبرع السخي للنادي الأدبي بحائل.
قبل ما يقارب الخمسة عشر عاماً أو يزيد كان أول لقاء جمعني بمعالي الدكتور ناصر الرشيد، وكانت المناسبة حصوله على جائزة حائل في عامها الأول والأخير !!، ولفت انتباهي حينها امتلاك هذا الرجل الذي يعرفه الناس على أنه رجل مال وأعمال وعنوان جميل من عناوين الخير في هذا الوطن المعطاء.. ما استوقفني بصدق امتلاكه ثقافة واسعة وشاملة وتحليله للأحداث والمواقف العالمية منها والعربية برؤية شمولية مستقلة، وقدرته على قراءة العقلية الغربية بمنهج قرآني رشيد وعميق، حينها عرفت أنني أشرف بالجلوس مع قامة ثقافية بامتياز فضلاً عن كونه رجلاً أكاديميا قبل أن يصنف في خانة رجال المال والأعمال، وقد انعكست معارفه وثقافته محل الحديث على شخصيته وسلوكه وقيمه التي تجذرت في بناء تكوينه فصارت سجية لها وطبعا.
لقد نشأ الدكتور الرشيد كما تقول سيرته الذاتية في بيت علم وأدب وتربى في بيئة تعشق المعرفة وتهوى الاطلاع ولذا لم أتعجب - حين زرت مكتبه بالرياض - من وجود كتب التراث والأدب والثقافة والاجتماع وعلم النفس والسياسة والاقتصاد جنباً إلى جنب مع كتبه التخصصية الإنجليزية منها والعربية.
إن الحس الثقافي الوطني دفع الرشيد يوم ما أن يؤلف الكتب، ويسطر المقالات، وينشر على حسابه الخاص لجمع من الكتاب وفي مختلف والفنون والإبداعات، ويقف مع المحتاج منهم في محنته وحين تكون أزمته، ويتبرع بشراء الكتب والدوريات من المعارض والملتقيات لمكتبات مؤسساتنا الثقافية والأدبية، ويثمن جهود المبدعين والكتاب والمحررين في اتصالاته الشخصية وخطاباته الأخوية، ويتابع وبشغف الحراك الثقافي الوطني / المحلي، ويسأل عنه كلما سنحت فرصة لذلك رغم انشغاله وكثرة ترحاله .. يفعل ذلك كله بسرية تامة وبعيداً عن الضجيج والقيل والقال.
إنني باسمي شخصياً وباسم مثقفي المنطقة أرفع أسمى آيات الشكر والتقدير لرجل الخير والبر والإحسان.. للإنسان المثقف بامتياز معالي الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد على تبرعه السخي لإنشاء مقر النادي الأدبي بحائل (حتى يكون - كما يقول هو حفظه الله ورعاه - مكاناً للقاء المثقفين والأدباء بعضهم البعض،، ومقراً لانعقاد حواراتهم النافعة وتقريب وجهات نظرهم المختلفة،، ولقضاء أوقاتهم بما هو خير لهم ولأوطانهم)، وجزماً سيكون هذا الصرح في يوم ما منبراً ثقافياً ومنارة أدبية ومعلماً حضارياً هاما.. والشكر موصول لمن عرفناه دوماً مفتاح خير وباب بر ورسول وصال الأخ الصديق صالح بن إبراهيم الرشيد مدير عام مكتب الرشيد الهندسي الذي سعى ودعم وشجع وحفز وسهل وعزز هذه الرغبة لدى مثقفي المنطقة حتى تحول الأمر من مجرد فكرة وحلم إلى أن صار حقيقة واقعة ستتناقلها الأجيال ويفاخر بها إنسان المنطقة وتنال إعجاب الزوار.. ولا أنسى في هذا المقام أن أثمن وأشكر جهود مجلس إدارة النادي الأدبي على حرصها مد جسور التواصل مع الداعمين والمثقفين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي / الحائلي،، وجهدها المبذول من أجل إقامة مقر متميز للنادي الأدبي في المنطقة،، دمتم صاحب الأيادي البيضاء، ابن حائل البار الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد ومن تحبون بخير وصحة وسلامة وسعة رزق وعطاء،، ودامت حركتنا الثقافية والأدبية بأحسن حال،، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.