كتب - محرر مدارات:
قالت له:
أغبط صياديّ اللؤلؤ والمرجان في أدغال الأعماق وهم يتأملون عالم الماء بكل جماله وعذريته وأسراره حين أحاول الغوص في بحر شاعر أو شاعرة وأتصور دفء أعماقهم وأستسلم للسقوط في ذلك الحلم العذب وأتصور نفسي أتسرب بكل مشاعري إلى عمق الشعر حين أقرأ مثلا مقطع الأمير بدر بن عبد المحسن:
ابعتذر عن كل شي
إلا الهوى ما للهوى عندي عذر
ابعتذر عن أي شي
إلا الجراح ما للجراح إلا الصبر
وإن ضايقك إني على بابك أمرّ
فليلة ألم واني على دربك مشيت عمري وأنا
قلبي القدم
فحين يتحول القلب إلى قدم فإن الخطى لا تكون بحاجة إلى مصباح؛ فمصباحها إحساسها النابض وشعورها الأكيد أنها تسير إلى صباح العمر وتنبثق مع الفجر وتتفتح مع وروده وتنهل من نداها، عندها أوقع بآثار الكحل الذي تسرب مع إحساسي بشفافية الشعر والشاعر.
قال لها:
قليل من الناس يقرأ بعين قلبه كما تقرأين ويتسرب إلى عمق شاعره بهذا الشكل فأنت ومن على شاكلتك من قراء الأعماق حلم كل مبدع يموت ألف مرة حين يموت بيته أو قصيدته تحت عجلات مرور عابر لقارئ ضجر، فالشاعر الحقيقي يبهجه ان تُقرأ قصائده بعين فاحصة وشعور متصالح مع الجمال وعضو في الهيئة العليا للدهشة، قارئ يردد بينه وبين نفسه حين يرى شعراً سطحياً قول عبدالله بن سبيل:
شرهة يدي ماكل عودٍ تعصّاه
ولا هي على عوج العصيّ محدودة
المطرق اللي شاقني وين أبلقاه
عيني لها تمنيني ونفسي شرودة
أزوال واجد مير ما هيب مشهاه
النفس ياقف له عياف يذوده
قالت له:
من لم يجرب سحر البحث اللذيذ بين ثنايا بيت مدهش أو قصيدة مربكة أو ديوان مترامي العذوبة لا يعرف طعم الشعر، فالشعر الحقيقي يا سيدي هو ما يُقرأ بالنبضات لا بالعيون وتشم رائحة شواء روح قائلة في أوراقه، ولك أن تتصور الزمن الذي أخذته قصيدة مبدع قبل أن نراها وكم أخذت من زمنه وعمره، خذ مثلا أبيات الحميدي الثقفي حين قال:
الليل غابة ونبض أنفاس صدري فاس حطّاب
تستنبت النار فاكهة الشتا شمس أبجديّة
من سلّة الريح من غيم الصدف لا بلل ثياب
من رجفة اللون من تفّاحة البرد الشهية
والشارع الصمت نهر أسود من المطاط جلباب
يقرأ صدى خطوة العابر ملامح سرمدية
أو لك أن تأخذ أبيات حمد العصيمي وحديثه عن السجن ولذة الأسر في نفس يتوق عاشقها إلى عدم الانعتاق منها فالانفكاك هنا قيد والقيد فضاء:
خلني مسجونك شهور وسنين طوال
ودي أعيش ابك مسجون وانته عيش حر
كيف انولك وانت فوق الحيازه والنوال
وكيف أجنب عنك وانت المقدر والقدر
وكيف أبلقى عن هجيرك وعن شمسك ظلال
وانت ظلك كل ما أقبلت له عني قصر
ان نثرتك للهجر وان جمعتك للوصال
وان نثرتك للوصل وان جمعتك للهجر
هل تصورت آلام ومعاناة كليهما والشعر في سماء روحيهما قبل هطوله على أرض الورق أو (الكيبورد) كم سبق القصيدة من وجع وكم أمض شاعرها من لظى وكم التهبت روحه وخمدت للحظات ثم التهبت وصهرت ذهب الفكر والوجدان وسال الشعر من نفسيهما لنقرأه بدقيقة أو أقل؟
قال لها:
أكملي فحديثك شيّق إذ ليس أجمل من رؤية إضاءات شمس الشعر في روح أنثى تلملم ما تنثر من جمال الإبداع في عبارة رقيقة تنبع من روح أرقّ، إن أجمل ما في الهذيان ما كان دافعه حمى العشق الصادق للشعر والإبداع، عند ما تتحول شرايينك إلى ريشة توحي بأن هاجس الشعر ربما تحركه أنثى وتفوح به روح أنثى أخرى.
قالت له:
كأني بك انصرفت عن مشاركتي قراءة الشعر إلى قراءة أثر الشعر في نفسي وهذا مما يسعدني وكم تمنيت أن تراني من الداخل، تتعقبني وأنا أبحر في لجج الشعر وأعماق الشعراء وإذا أذنت لي سيدي أن أعتذر عن إكمال الحديث إلى وقت آخر فإني لك من الشاكرين.