كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول التحديات التي ستواجه بلادنا في المستقبل القريب، وأن تلك التحديات تسير في اتجاه واحد وستتحد في يوم ما لتمثل عقبة هائلة في سبيل استدامة التنمية والاستقرار الاجتماعي. هذه التحديات التي يقال عنها الكثير لا تخفى على أحد، فبلادنا صحراء لا تنبت ولا تسقي، والماء تحتنا وحولنا يقل يوماً بعد يوم، ونحن شعب يزداد عددا وطلباً لحياة أفضل، ولا فضل لدينا إلا فيما تخرج الأرض من بترول يزيد استهلاكنا منه كل يوم وسيأتي ذلك اليوم الذي لا يكفينا، هذا إلى جانب خطر الخلاف المذهبي والفكري والذي يتهدد وحدتنا ويمزق تآلفنا ويوقد جذوته أعداؤنا، وتحديات أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية أقل وضوحاً ولكنها تتظافر لتكوين معضلات تقف في طريق التنمية، ونحن في مرقب استطلاع تلك التحديات الهائلة والتي تستدعي أن نكرس الجهود لوضع الخطط الكفيلة بمواجهتها، هناك من يلتهي بمسائل خلافية ويبذل الجهد الجهيد في إيقاد خلافات اجتماعية تضيف عبئاً آخر يمثل عائق أمام التنمية.
العالم يزداد سكانه وكل بلاد تدرك أن عزتها واستقرارها مرهون بمدى سعادة وتجانس وحسن معيشة أهلها، ولا سبيل لتحقيق ذلك بغير التنمية، والتنمية لا تحدث إلا بتفعيل عوامل الإنتاج المنافسة، حيث ترتبط ارتباطا جذري، وكل قادة العالم يحملون هم تنافسية بلادهم في تحقيق معدلات إنتاج وتكوين سلع وخدمات على درجة عالية من الجودة، فالتقنية باتت تسلب الإنسان فرصته في كثير من الأعمال، وبات العمل المتاح له ذلك الذي لا تقوم به الآلات، أو لا ينافسه عليه إنسان آخر. يقول جيم كلفتون الرئيس التنفيذي لجالوب في كتابه (حرب الوظائف القادمة) «قمنا بدراسة إحصائية غطت معظم دول العالم، لم نجد همّ يؤرق الإنسان أكثر من همّ فقدان فرصة العمل المجزي»، لذا فالفقير بين بلدان العالم ذلك البلد الذي لن يستطيع ضمان فرصة العمل المجزئ لمواطنيه، فعندما يفشل في بناء كفاءة إنتاجية عالية لمواطنيه، سيفقد التنافسية تدريجيا، ثم يفقد الاهتمام، ثم يفقد الاحترام عندما تمزقه الخلافات والفقر ويتشتت مواطنوه طلباً للحياة في بلاد أخرى. هذه هي حقيقة الحياة القادمة مع المستقبل القريب والتي ستكون مسرح العالم الجديد.
من توفيق الله أن بلادنا تتمتع بميزات كبيرة تجعل فرصتها عظيمة في تكوين تميز تنموي يستدام في المستقبل، ولكن لابد من إدراك حقيقة هامة، وهي أن واقعنا الحالي لا يؤهل لتحقيق فرصتنا في التميز التنموي، والحديث عن واقعنا يطول ويتشعب، لذا سأكتفي بالتأكيد على أهمية الحديث عن التغيير الذي يجب أن نحدثه لنطمئن على مسيرتنا، والتغيير لا يحدث بمجرد الحديث عنه، فالتغيير له أنصار وله مقاومون، ومقاومو التغيير أكثر عددا وأصلب عوداً وأشد بأساً، ومع ذلك فالتغيير الذي يحقق فرصة التميز ذلك الذي يكون بإرادة قيادية تستجيب لحاجة شعبية آنية ومستقبلية، والتغيير له مراحل بعضها يستلزم خيارات صعبة. من أهم هذه الخيارات أن مقاومة التغيير يجب أن لا تكون خياراً، والتغيير المطلوب يمس المشهد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ويستحدث أنماطاً حياتية ويتخلص من أخرى. والتغيير المطلوب يقوم على رؤيا وإستراتيجية موزونة.
لقد عاشت بلادنا فترة طويلة تكابد العالم في حصانة خصوصية نحن بنيناها وجعلناها السد المنيع تجاه التحولات التي كان يجدر بنا انتهاجها منذ زمن، وكان أنصار الخصوصية في مقدمة مقاومي التغيير والتجانس مع العالم الآخر، حتى أصبحنا جزيرة من الخصوصية المغرقة وسط عالم متحرك، نحن نعلم أن أنصار الخصوصية سيجدون أنفسهم في نفس وضع شخصية (هم) في قصة الدكتور سبنسر جونسون (من اخذ جبنتي) عندما لا يكفي ما نخرج من الأرض لمواجهة حاجاتنا. ولكن هل يرتهن أمل شعب ومستقبل أمة لمخاوف فئة لا تريد استشراف المستقبل بعين ساهرة؟.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail