استكمالا لموضوع يوم الاثنين وهل كل الوزارات ضرورية، أذكركم بالطرفة اليمنية عن انتفاء الحاجة لتدخل الحكومة بين المواطنين لأنهم بدونها يستطيعون حل مشاكلهم بطريقة أفضل، وبالطرفة السوفييتية عن عضو اللجنة المركزية للحزب الذي يتصدر الطوابير أيام السلم ويختفي في المؤخرة أيام الأزمات.
تساءلت في الحلقة الأولى عن مدى الضرورة لوجود وزارة للعمل بمواصفاتها الحالية، وأعيدكم للحلقة المذكورة. أنتقل بعد ذلك إلى إعادة النظر في وضعنا الصحي الواقع تحت مسؤوليات وزارة الصحة.
لدينا وزارة للصحة لها مهمات كثيرة، يمكن تلخيصها في توفير العناية الصحية والوقائية اللائقة. الوضع الصحي الحالي للأسف مزعج، ومدراء المستشفيات يقدمون استقالاتهم بوتيرة متسارعة، وفضائح الفساد المالي والإداري تطفو مثل الجثث على سطح البحر. المسؤولون الكبار في الوزارة لا يلمون كما يبدو بالمشاكل المتسببة في ذلك، ويطلبون من إدارات الشؤون الصحية الفرعية أن تتصرف وفق صلاحياتها، لكن هذه تتهم البيروقراطية في الوزارة بعدم التجاوب والانفصال عن الواقع الميداني. لا أحد في القطاع الصحي حسب الظاهر لديه وضوح شمولي وخطة عمل للتعامل مع الانفجار الكبير في المتطلبات الصحية، ومع نقص الكفاءات وتعطل المشاريع الجديدة واهتراء القائم منها. نعود إلى طرفة أعضاء اللجنة المركزية الكبار في الاتحاد السوفييتي السابق الذين يتصدرون الطوابير أيام السلم وينسحبون إلى الخلف أيام الأزمات. هل المقارنة مقبولة مع المسؤولين الكبار في وزارة الصحة أم أنها مجحفة تستوجب الاعتذار؟. الإجابة متروكة لملاحظات هيئة نزاهة وللمدراء الذين قدموا استقالاتهم ولمرضى المناطق الشمالية الذين يشدون الرحال إلى الأردن طلبا للعلاج.
ننتقل الآن لوزارة أخرى. لدينا وزارة للتربية والتعليم، ووزارة أخرى للتعليم العالي، والمهمات الأساسية لهما هي توفير العقول والخبرات لإدارة البلد. أكثر المسيطرين على المراكز الأكاديمية المربحة والمريحة في البلد أجانب، وأغلبهم من دول العالم الثالث. بطالة الأكاديميين والأكاديميات السعوديين أصبحت شكوى يومية في كل مكان، والجهات المحتاجة لتوظيف الكفاءات ترفضهم، وأحيانا تقبلهم مؤقتا ثم تطردهم إلى الشارع. بعض هذه الجهات الطاردة مؤسسات تعليمية حكومية تخرجت هذه الكفاءات منها وتربت على مناهجها. آخرها ما حدث في جامعة الأميرة نورة من الشركة المتعهدة مع معلمات السنة التحضيرية، وتواجد أكثر من خمسة آلاف خريج عاد بالفعل من الابتعاث ولم يحصل على عمل. هل يجوز إسقاط الطرفة اليمنية على وزارتي التربية والتعليم العالي، لأن اجتهاداتهما ربما أوجدت المشاكل بدلا من الحلول؟. إحدى هذه المشاكل، حسب إدعاءات سوق العمل الحكومي والخاص هي إغراق الوطن بالخريجين قليلي الكفاءة، والثانية ترك الأبواب مفتوحة للتعاقد مع الخارج وإرخاء الحبل على الغارب لشركات التوظيف للاستفادة من صندوق الموارد البشرية على حساب الكفاءات الوطنية. كان الأوجب والأولى إلزام سوق العمل بمهمات التدريب ورفع الكفاءة بدل الاستيراد.
قبل إنهاء الموضوع أود التعرض قليلا لوزارة الإسكان. صحيح أنها وزارة غضة العود تم إنشاءها العام الماضي، لكنها ألزمت نفسها بمشاريع إسكانية شعبية ضخمة لن تستطيع إنهاءها في المدة الموعودة، والتزمت بالوساطة بين المستأجر والمؤجر، وبالإشراف على السياسة الإسكانية والعقارية في المملكة. هذه وعود تحتاج إلى عملاق بسبعة أذرع لمحاربة تجارة العقار والإقطاعيات المسيجة. النجاح في هذه المهمات غير متوقع وسوف تلحق هذه الوزارة بالوزارات المترهلة التي أًصبح التساؤل عن ضرورة وجودها ملحاً.
لكن يبقى السؤال، هل ثمة ضرورات أًصلا لوجود بعض الوزارات، بكل مصاريفها وأعداد موظفيها الهائلة وميزانياتها ومصاريفها الضخمة ومخرجاتها المتواضعة؟. الموضوع يستحق التدقيق بدون حساسيات.