من زار حائل أو يزورها يشعر بالألفة والمحبة، كما يشعر بأن ذلك لا يقتصر على أهلها فقط بل يحسّ بأن هناك علاقة تربطه بجبالها وأوديتها وأرضها عموماً. وهناك رائعة من روائع الأدب العربي قيلت في القرن السادس الهجري، أي قبل أكثر من ثمانمائة عام، رصدت تلك المشاعر. وعنوان تلك الرائعة (كثبان طي)، أو بالأصح أول بيت بها ينتهي بكثبان طي، ويسرّني إهداء سبع أبيات من هذه الرائعة؛ حيث شملت كلمات تخص المدينة المنورة مثل: الجزع، النقا، عِين النقا، المنحنى.. فلا بد من إيضاح لكل كلمة باختصار والتعريف بها أدبياً.
كثبان: جمع كثيب، وهو التل الرملي الصغير، وإذا كبر يسمى (الأحقاف) جمع حقف، وهو الجبل الرملي الكبير.
طي: قبيلة عربية عريقة ضاربة في التاريخ، منها حاتم الطائي، وسفانة بنت حاتم الطائي وعدي بن حاتم الطائي - رضي الله عنهما - وكثيرٌ من الشعراء أمثال أبي تمام والبحتري، وكفى بذلك للقبيلة فخراً.
الجزع: منحنى الوادي، وهو جانب مرتفع عن مجرى الوادي، وعادة يكون السكن ومقر الخيام.
ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه
من المسك كافوراً وأعواده رندا
وما ذاك إلا أن هنداً عشية
تمشت وجرت في جوانبه بردا
النقا: الجانب الأيسر لوادي البطحان عند دخوله المدينة المنورة القديمة.
عين النقا: عين (بكسر العين) جمع عيناء، أي واسعات الأعين حسانها، وحسن عين الأنثى يعتبر مجمع الحسن وأعظم الأدلة على جمالها، ولاسيما إذا كانت حوراء (حور عين)، والحوراء التي في عينها كَحل وملاحة وحسن وبهاء. قال الشاعر:
من عذيري يوم شرقي الحمى
من هوىَ جدّ بقلبٍ مزحا
نظرةٌ عادت فعادت حسرة
قتل الرامي بها من جرحا
قلن يستطردن بي (عين النقا)
رجلٌ جُنَّ وقد كان صحا
اذكرونا مثل ذكرانا لكم
رب ذكرى قربت من نزحا
واذكروا صباً إذا غنى بكم
شرب الدمع، وعاف القدحا
المنحنى: يقابل النقا من الجهة الشرقية من وادي بطحان، أي: جنوب وشرق مسجد الغمامة حالياً. وقد تغير وضعه وأصبح موقعه عمارات شاهقة.
أما الأبيات التي تم اختيارها وإهداؤها إلى حائل وأهلها فهي:
سَائقَ الأَظْعَان يَطوي البِيدَ طَيْ
مُنْعِماً عَرِّجْ على كُثْبَانِ طَيْ
وبِذَاتِ الشِّيحِ عَنِّي إَنْ مَرَرْ
تَ بَحَيٍّ مِنْ عُرَيْبِ الجِزْعِ حَيْ
وتَلَطَّفْ وَاجْرِ ذِكْرِي عِنْدَهُمْ
عَلَّهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا عَطْفاً إِلَيْ
قُلْ تَرَكْتُ الصَّبَّ فِيْكُمْ شَبَحاً
مَالَهُ مِمَّا بَرَاهُ الشَّوقُ فَيْ
رَوِّحِ القَلْبَ بِذِكْرِ المُنْحَنَى
وَأَعدْهُ عَنْدَ سَمْعِي يا أُخَيْ
لَمْ يَرُقْ لِي مَنْزِلٌ بَعْدَ النَّقَا
لاَ ولاَ مُسْتَحْسَنٌ مِنْ بَعْدِ مَيْ
مَا رَأَتْ مِثْلَكِ عَيْنِي حسناً
وكَمِثْلِي بِكِ صباً لَمْ تَرَيْ
آهٍ وَاشَوقِي لِضَاحِي وجهِهَا
وظَمَا قَلْبِي لِذَيَّاكَ اللُّمَيْ
سَائقَ الأَظْعَان يَطوي البِيدَ طَيْ
مُنْعِماً عَرِّجْ على كُثْبَانِ طَيْ