أخشى أن نصل إلى ما وصل إليه الشعب الأمريكي، من أن بعض أفراده لم يعد يعرف بعض الولايات البعيدة في أطراف الولايات المتحدة، فهناك من لا يعرف ولاية «مين» مثلاً في الشمال، وقد يكون بيننا من لا يعرف مدينة عرعر أو طريف في الشمال، خاصة من لا يتابع النشرات الجوية المحلية، التي تأتي بأسماء المدن والقرى والهجر الغريبة.
ويزداد القلق من ألا يعرف المسؤول نفسه عن هذه الأماكن، خاصة أن ميزانية الجهات الخدمية لدينا تعتبر ميزانية مركزية، فالتعليم والصحة والتوظيف مثلاً ستنضب حينما يتعلق الأمر بالشمال أو الجنوب من مملكتنا الشاسعة، وقد كتبت هذا التمهيد لأتحدث عن مأساة فتاة عرعر التي تسكن كوخاً من الصفيح، كي لا يعلق أحدكم: عرعر؟ كأني سمعت بها!.
تشير صحيفة إخبارية عرعر الإلكترونية إلى أن الشابة منى (27عاماً) عاطلة عن العمل رغم أنها خريجة قسم اللغة العربية لعام 1431ه، تسكن مع والدتها في إحدى ضواحي مدينة عرعر في كوخ من الصفيح، وتقتات من جمع الحديد وعلب المرطبات التي تبيعها على تجار الخردة بمبالغ زهيدة. هذه المواطنة التي تحمل عددا من الشهادات في اللغة الإنجليزية، وفي الحاسب الآلي، وشهادة إعداد معلمة رياض أطفال، لم يتسع لها الوطن الكبير الغني كي تجد مهنة شريفة، أو سكناً ملائماً.
ورغم أن الفتاة عرفت رقم منزل شاغر في إسكان الوليد في عرعر، وتتمنى أن تحصل عليه، إلا أنها تدرك أن الأيدي التي حرمتها من الوظيفة، قد تحرمها من السكن في منزل صغير يستر عليها ووالدتها، وهي الأيدي التي تولي الواسطة والمحسوبية الأولوية في كل شيء، وتستبعد المأساة الإنسانية من الأمر.
في سياق الخبر يقول بأنها كمطلقة وأمها معها تستفيدان من إعانة الضمان الاجتماعي عن طريق الشؤون الاجتماعية، وقدرها 856 ريالاً، وأن أمها مستفيدة من بطاقتي البركة والعثيم، ولكن السؤال هو: هل تحتاج هذه المواطنة النبيلة المتعففة إلى صدقاتكم؟ أم تحتاج إلى وظيفة تزيح عن كاهلها مذلة السؤال؟.
هذه المرأة التي لا معيل لها إلا الله سبحانه، لا تحتاج منا إلا حفظ كرامتها بتوفير وظيفة تتفق مع مؤهلاتها، فهل في هذا الأمر شيئاً خارقاً؟
أم أن جمع العلب الفارغة وبيعها على تجار الخردة الجوالة من العمالة الوافدة سيسجل ضمن مكاسب جمعية حرفة للعمل اليدوي والأسر المنتجة؟ بل حتى هذه الحرفة لا تحتاج إلى من يشتري مكسبها الضئيل من العلب وخردة الحديد، وإعادة تسويقه، فهي بقايا قمامة جاهزة للبيع وإعادة التصنيع من قبل مصانع ضخمة لن توفر مكاناً شاغراً ولقمة عيش لـ(منى) وأشكالها من المواطنات.
وحين تشير هذه الفتاة إلى الواسطة والتمييز في الدراسة والعمل والوظيفة والسكن، بل وحتى في شمّ الهواء، إنما تتحدث بحرقة عما تعرفه، وعما تراه، من انتفاء العدالة في الحصول على وظيفة أو مسكن، سواء في شمال البلاد أو في جنوبها. ولعل سؤالها البسيط: لماذا؟ يمكن إضافته إلى أسئلة المواطنين في «قناة حوارات المملكة» والموجهة إلى رئيس مكافحة الفساد، والتي بلغت مئات الأسئلة، وأجزم أن سؤالها لن يكون ضمن العشرين سؤالاً التي ستحظى بالطرح على سعادة الرئيس!.