أول صحيفة في الولايات المتحدة تطلق نسخة إلكترونية على الإنترنت كانت شيكاغو تريبيون عام 1992 مع نسخة اون لاين، وتوالى بعد ذلك ظهور المواقع الإعلامية والإخبارية. ثم جاءت الصحافة الإلكترونية - التي خرجت من رحم الإلكترون - كمنتج طبيعي من بيئة الإنترنت الغنية بآلياتها، وتفاعلها واستجابتها لسرعة التغيير. كان طبيعياً أن تأتي الإلكترونية مثيرة عن ما هو سائد في بيئة الصحافة التقليدية. بالنظر إلى مساحة الحرية المتاحة وتدفُّق المعلومات الضخمة وتطوُّر الأدوات المذهل. ولم يَعُد امتلاك صحيفة أمراً محصوراً بأنظمة أو مؤسسة، بل دخل على الخط محررون محترفون وهواة مستفيدين من إمكانات وأدوات غير مسبوقة. ومع بروز استخدام الإنترنت كوسيط سهل للإعلام، قفزت الصحف المطبوعة لتنشئ لنفسها مواقع، في محاولة لامتصاص واستيعاب المنافسة القادمة، ومع استقطاب الإلكترونية للمزيد من القراء والمتابعين بأرقام كبيرة، خصوصاً وأن أي صحيفة مطبوعة يتم تجهيزها بالكامل في شكل إلكتروني قبل الدفع بها إلى المطبعة. في المقابل سمحت الطبيعة المفتوحة للعديد من الجهات غير الصحفية والإعلامية لكي تمارس بنفسها وبشكل مباشر أو غير مباشر النشاط الصحفي، وأي شخص سواء كان صحفياً أم لا أن ينشئ موقعاً صحفياً ويقدم من خلاله التقارير والأخبار ويبث لقطات من مواقع الأحداث، لكن لنتذكر أنّ ممارسة الصحافة الإلكترونية تتطلّب بعداً مهنياً ومقاييس اقتصادية مثلها مثل أي مشروع آخر، وحالياً تُعَد قضية التكلفة والعائد من الأمور التي تشكل عائقاً في الاستمرار والتطوير. كما هنالك عائق آخر متعلق بضعف أو غياب التأهيل، حيث تظم الصحافة الإلكترونية اليوم هواة لا يمكن الحكم عليهم بأنهم صحفيون أو إعلاميون. على الجانب الآخر لا يمكن لشخص محترف أن يمارس الصحافة الإلكترونية بنفس المهارات القديمة، لأنه هنا يتعامل مع بيئة متعددة الوسائط والخدمات، تشمل مهارات استخدام الأدوات الرقمية، والعمل ميدانياً بالطريقة المهنية المعتبرة. في الصحافة المطبوعة ينتهي دور الصحفي عند كتابة نصِّه وتقديمه للنشر، لكن الأمر مختلف تماماً في عالم الإلكترون، فمسؤوليات المحرر ممتدة لما بعد
إعداد المادة إلى تجهيزها الفني والقيام بنشرها، ثم تسويقها عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتفاعل مع ردود أفعالها، ومتابعة أسئلة الجمهور .. الخ، لكن هذه المسؤولية والمساحة المتاحة تجعل توفر صحفي إلكتروني مكتمل المواهب أمراً شحيحاً، وهذا سر ضعف أو غياب الصحافة الإلكترونية الحقيقة لدينا حتى تاريخه. لأن الجهد المتوفر اليوم لا يتجاوز اجتهادات في أحسن الأحوال، ومحاولات ترقيع بين التقني والمهني، ناهيك عن الاعتماد على الصحف “الورقية” ومواقعها، للحصول على المحتوى الإخباري والمقالات والقضايا الرئيسية، يضاف إليها أحياناً شبكات التواصل الاجتماعي. لذا تأتي الصحافة الإلكترونية السعودية ضعيفة وضائعة في الهوية والمحتوى في ظل عمليات التلفيق المهني الفاضح، حيث إنها لا تعتمد المعايير التحريرية، ولا على مصادر يعتمد عليها ومحل ثقة. يضاف لذلك كله غياب قوانين تضبط العلاقات والممارسات. واقع أصبح معه وسم الصحافة الإلكترونية كوسيلة لنشر وانتشار الإشاعات والأخبار الكاذبة والملفقة .. بلا ثقة أو مصداقية!