مؤسف أن يردد البعض هكذا - كيفما اتفق - أن الشعر النسائي ضعيف، ويتشدّق بها في أكثر من موضع ومناسبة - إن إعلامية أو خاصة - دون برهان يدعم دقة صدقه في وجه الحقيقة أو الواقع الذي - يدحض - ما ذهب إليه - في تعميمه جملةً وتفصيلاً؛ ففي الشعر الفصيح من ينكر تميز شعر الخنساء، ونازك الملائكة، وفدوى طوقان، وغيرهن، وفي الشعر الشعبي من ينكر تميز شعر المرهوصه، وبخوت المريّه، والدقيس، ومريفه السليطيه، ومويضي البرازيه، والدهلاويه، وظاهره الشراريه وغيرهن، وكانت الشاعرة لا تمدح إلا الرجل - الكفو - الشجاع، أو من حوت شخصيته خصال الرجولة؛ كالكرم وما سواه من الصفات النبيلة، وقد أورد عبدالله بن محمد بن ردّاس في كتابه - شاعرات من البادية - قول الشاعرة وضحاء بنت السلات العتيبية:
لَوْلاَ الحَيَا يا نَاسْ لاَ لْحِفْ ذِلولِه
أَلْحِفْ ذلولهْ عَنْ ذوارِي الْهَبَايِبْ
مِن بَعْدِ سَجَّ البِيْدْ جَاتِ مْعَلولهْ
لَكَنَّهَا مسْقَاةٍ السُّمِّ رايِبْ
زَوْلِهْ جِميلْ، وغَيْر زَوْلِهْ فْعُولِه
لاَ حَلِّ باطْرَافَ السَّرَايَا نَهَايِبْ
فانظروا إلى الوفاء المتناهي، حيث تتمنى لو كانت لحافاً لناقة معشوقها لتقيها من البرد إكراماً لصاحبها، وذلك حينما رأت ناقته أصابها الكلال لكثرة ما يغزو عليها، حتى لم تعد تتحمل البرد لضعف جسمها.
وفي مثال آخر على وفاء الشاعرات المتناهي يورد عبدالله بن محمد بن ردّاس في كتابه قصيدة الشاعرة - عشيبه بن دغيّم السّليطي من شمّر - تتغزل برجل يدعى عيد بن حسيكا، وتقول:
واخانِةَ الْقَلْبِ يَا عَمِّيْ
عَنْ لَذَّة النَّوْم قَزَّانِيْ
يَا عِيْدْ لَوْ نَقَّعَوْا دَمِّي
ما انْساك كُودَ انْتْ تَنْسَانيْ
كما أن الشاعرات - قديماً - كان لديهن من الاعتداد بمشاعرهن والوضوح المثالي لشفافية أحاسيسهن ما يجعلهن بكل صدق - كعين الشمس - لا يقبل تأويل وتفسير المعنى، يجهرن باسم (المحبوب).. وقد أورد - المؤلف نفسه في كتابه - قول الشاعرة - صيتة التميمية - كانت تسكن في ضواحي مدينة الرس، تغزلت في محبوبها (سرور) وهذا من الغزل العذري البريء:
أنا بوادِ الرِّسّ داريْ ظِليلَه
وصْوَيْحِبِي يَتْلى المَهَا بَالصُّوَاهِيْد
ليتِه إذَا صَادَ المَهَا عَنْهَ اشِيلِهْ
اشِيل أَنَا عنْ صاحْبِي جِمْلَةَ الصَّيْدْ
شَفِّي (سرُور) ولا اتَمَنَّى بِدِيلِه
عليه ضَيَّعْتَ الحَيَا والمَنَاقِيدْ
مَن لاَمْنِي يَلْهَمْ دْقَاقَ النِّثِيلَهْ
وإِلاَّ يِطِقِّ بْهَامِتِهْ نَايْفَ الحَيْدْ
abdulaziz-s-almoteb@hotmail.com