تفادياً لأخذ الموضوع بجدِّية أكثر من اللازم، أحاول تخفيف وطأة العنوان أعلاه بالطُّرفة التالية: أيام الدراسة في ألمانيا قبل عشرات السنين، عاد زميل يمني من الإجازة في بلاده فسأله أحد الزملاء العرب كيف تسير الأمور في اليمن؟. الزميل اليمني الظريف فاجأ الجميع بآخر إجابة كانوا يتوقّعونها: والله يا جماعة .. اليمنيون يستطيعون تدبُّر أحوالهم لو بس ما تتدخّل الحكومة في حياتهم. بعد أن هدأ الضحك والتصفيق سأله زميل آخر: كيف؟. كان الجواب أقلّ إثارة للضحك وأكثر إثارة للتفكير: يا صاحبي، اليمنيون في السوق مثلاً يبيعون ويشترون ويضحكون على بعض ومع بعض ولا واحد منهم يحتج أو يشتكي. لكن بس يشوفون عسكري الحكومة في أول الشارع فيبدأون يركضون نحوه وكل واحد يشتكي الثاني ويرتفع الصراخ، وفي النهاية يحصل تحقيق وتدفيع غرامات وجزاءات ويترتّب على ذلك عداوات. انتهت الطُّرفة اليمنية
قد يسمح المجال بطُرفة أخرى تخدم نفس الموضوع لكن هذه المرة من روسيا القديمة. أيام الشيوعية كانت السلطات بهدف متابعة مؤشرات الرأي العام، تسمح لمحطة إذاعية واحدة فقط اسمها راديو يريفان، باستقبال أسئلة المواطنين الروس والإجابة عليها بكل حرية وبدون التعرُّض للعقاب. أحدهم وجَّه السؤال التالي: أسألكم باسم الحزب المحترم وكل الرفاق الأعزاء هل تستطيعون إعطاء المواطن تعريفاً لعضو اللجنة المركزية في الاتحاد السوفييتي العزيز وما هو دوره؟. إجابة راديو يريفان كانت كالتالي: الرفيق عضو اللجنة المركزية هو رفيق ضخم البنية يحمل على كتفيه كمية هائلة من النياشين البرّاقة ويتصدّر الطوابير أيام السِّلم، لكنه يتواجد في المؤخرة أيام الأزمات. انتهت الطُّرفة السوفييتية،
بالتأكيد ليس الهدف من إيراد الطُّرفتين التقليل من شأن المؤسسات الحكومية والمسؤولين الكبار، لكنها محاولة لسبر أغوار الفوائد المترتّبة على وجود وزارات ضخمة ومكلفة ومرهوبة الجانب، بالرغم من أنها لا تؤدي الغرض المطلوب منها إلاّ في دول قليلة في هذا العالم.
ما يهمنا هنا هو وزاراتنا، أما الآخرون فيتكفّلون بالنظر في وزاراتهم بالطرق التي تناسبهم.
لدينا على سبيل المثال وزارة للعمل، مهمّتها الرئيسية حصر الأعمال والوظائف والمهن ومن يستطيع إشغالها، والتنسيق بين مختلف القطاعات الخدمية والحرفية والإنتاجية لتوظيف الناس وتقليص مشاكل البطالة إلى أصغر حجم ممكن. السؤال الكبير هو هل استطاعت هذه الوزارة تقديم شيء ملموس ومقنع ومريح في هذه المجالات ؟. أترك الإجابة لطوابير العاطلين والعاطلات والمنتظمين والمنتظمات في قوائم حافز، وللكابوس الذي ربما ينتظر مئة وخمسين ألف خريج مقبلين على سوق العمل خلال السنوات القليلة القادمة. ترى لو طبّقنا طُّرفة الزميل اليمني وتركنا الناس تدبّر شؤونها بنفسها دون لوائح وقوانين وتدخُّلات وزارة العمل، هل سيكون الوضع أسوأ؟.
شخصياً لا أعرف الإجابة، ولكن إلى اللقاء في الحلقة القادمة مع وزارات أخرى إنْ سمحت الظروف.