|
فجعت الأوساط التربويَّة بالمملكة في وفاة ابن بار من أبناء التَّربية الخاصَّة، ورمز من رموزها، وعلم من أعلامها هو سعادة الأخ الكريم، والزميل العزيز، والصديق الحبيب، الدكتور خالد بن عبد العزيز الحمد -رحمه الله- الذي انتقل إلى جوار ربه صباح يوم الأربعاء الموافق 18 شوال 1433هـ، وذلك على إثر مرض مفاجئ ألم به. وكان الدكتور خالد -رحمه الله- قد ولد في 24-7-1390هـ في مدينة جلاجل بسدير، وأكمل تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي، ثمَّ حصل على شهادة البكالوريوس من قسم التَّربية الخاصَّة بجامعة الملك سعود، وبعد ذلك عمل معلمًا بوزارة التَّربية والتَّعليم، فمشرفًا تربويًّا بالأمانة العامَّة للتربية الخاصَّة بالوزارة، غير أن ذلك كلّّه لم يرض طموحه، فالتحق بقسم التَّربية الخاصَّة بجامعة الملك سعود للعمل معيدًا، ثمَّ تَمَّ ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكيَّة، حيث حصل هناك على درجتي الماجستير والدكتوراه في مجال الاضطرابات السلوكية والانفعالية، وهو تخصص نادر ليس على مستوى المملكة العربيَّة السعوديَّة فحسب، وإنما على مستوى العالم العربي كلّّه.
عمل بعد عودته إلى أرض الوطن مسلحًا بسلاح العلم والمعرفة أستاذًا مساعدًا بقسم التَّربية الخاصَّة بجامعة الملك سعود، ثمَّ أستاذًا مشاركًا، ثمَّ تَمَّ تعيينه مديرًا لمشروع تطوير خدمات ذوي الاحتياجات الخاصَّة في الجامعة، كما عمل مستشارًا بوزارة التَّعليم العالي.
وكان -رحمه الله- ذا شخصيَّة مؤثِّرة يتسم بالذكاء والفطنة، وقوة الإرادة والإصرار والعزيمة، وغيرها من الصفات القياديّة، وكان كلّّه طموحًا ونشاطًا وحيويَّة، وكان يمتلك صوتًا جهوريًا مميزًا، وقدرة كبيرة على التحدث والحوار والنقاش، يبهرك بحماسه، ويعجبك بأفكاره، ويطربك بمداخلاته حتَّى ولو خالفك في الرأي.
وقد عرفت الدكتور خالد عندما كان طالبًا على مقاعد الدراسة الجامعية، حيث درسته في مقرر اسمه «تربية الأطفال غير العاديين في المدارس العادية»، وهو مقرر يعنى بعملية دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات التربويَّة الخاصَّة في مدارس التَّعليم العام، وما زال صوته يرن في أذني وهو يداخل ويناقش ويحاور حول موضوع الدمج التربوي، وقد ذكر لي الزميل العزيز الدكتور إبراهيم بن سعد أبو نيان، عضو هيئة التدريس بقسم التَّربية الخاصَّة في جامعة الملك سعود أنه ما زال يتخيل مكانه في قاعة الدراسة، ويتذكّر مشاركاته ونشاطاته في المواد التي درسه فيها.
وبعد عودته إلى أرض الوطن قدم الكثير في مجال عمله سواء من خلال التدريس في قسم التَّربية الخاصَّة، أو الأعمال الإداريَّة التي قام بها، أو النَّشاطات التي كان يزاولها، وقد كان -رحمه الله- من المتحدثين الجيدين في مجال التَّربية الخاصَّة، وقد شارك في العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعيَّة، وكتب الكثير من البحوث والدراسات والمقالات الصحفية، وكان من القلائل الذين شاركوا في برامج القناة السعوديَّة الثانية التي تبث باللغة الإنجليزية.
أما آخر حديث دار بيني وبينه -رحمه الله- فقد كان عبر الهاتف في أواخر شهر رمضان المبارك، وقد تناولنا في البداية بعض الشأن الخاص، حيث عبر لي عن مدى اهتمامه بتربية وتعليم أبنائه، وحرصه على اختيار المدارس الأنسب لهم، ثمَّ إن الحديث انصب كالعادة على التَّربية الخاصَّة، إذ تأمَّلنا أوضاعها الراهنة، وشخصنا واقعها، واستشرفنا مستقبلها، واستعرضنا سبل تطويرها، وتمنينا أن يعود عصرها الذهبي إبان أوج ازدهارها، بل تمنينا أن تتجاوز ذلك إلى المزيد من التقدم والرقي في مستوى برامجها وخدماتها بما يلبي احتياجات أبنائنا ذوي الاحتياجات التربويَّة الخاصَّة على اختلاف خصائصهم وتعدد احتياجاتهم.
ولا شكَّ أن وفاة زميلنا الحبيب الدكتور خالد الحمد تُعدُّ خسارة كبرى لنا في التَّربية الخاصَّة، غير أن أكثر المتأثرين برحيله، وأكبر المتألمين لفقده هم زوجته وابنته وأبناؤه الثلاثة، إذ إنهم قد ودعوا أعز وأعظم وأعطف وألطف إنسان في حياتهم، بَيْدَ أنّ عزاءهم وعزاءنا أن الله - سبحانه وتعالى - لا يضيع أحدًا، فهو القادر وحده على أن يشملهم بعطفه وحنانه، ويكلأهم بعنايته ورعايته.
وفي كلِّ الأحوال، فإنّه لا يسعنا في مثل هذا المقام إلا أن نقول ما يرضي ربنا: «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وأن ندعو الله - سبحانه وتعالى - أن يرحم أبا عبد العزيز رحمة واسعة، وأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجعل كل ما قدم في موازين حسناته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
(*) مستشار التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم