من ينظر إلى مدينة الرياض من الأعلى, أو من يعيش بين جنباتها يشعر فورا وكأنه وسط ورشة عمل كبرى, ففي كل جهة من جهات المدينة هناك مشاريع عملاقة وضخمة تُنشأ, ويجري العمل على إنجازها وفق جدول زمني محدد وصارم, من بين تلك المشاريع الضخمة والطموحة, جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن أكبر صرح تعليمي نسائي في العالم, ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية, والمبنى الجديد لجامعة الملك سعود للبنات, وجامعة الحرس الوطني ومشروع طريق الملك عبدلله, وتوسعة جامعة الإمام وغيرها من المشاريع المتناثرة بعظمتها في أنحاء العاصمة السعودية.
ولاشك أن سرعة إنجاز تلك المشاريع الكبرى أمر إيجابي, ولكنه في المقابل كان سببا في عدد من التحديات والمشكلات التي أصبح يعاني منها المواطن البسيط يوما بعد يوم, فسرعة تحقيق المشاريع تتطلب عدد عمال مضاعف والحصول على أكبر كمية من مواد البناء, ما يعني صعود الطلب على تلك المواد وبالتالي زيادة أسعارها بشكل جنوني, ما يجعل المواطن غير قادر على شرائها والبدء في بناء منزله أو ربما إكماله بسبب ارتفاع الأسعار, كما أن أجور عمال البناء الذين كانوا يعملون سابقا بأسعار معقولة ومرضية للطرفين, فقزت اليوم إلى الضعف, حيث كان يعمل البنّاء في اليوم الواحد بـ 70 ريالاً تقريبا, أما اليوم فقد تضاعف الأجر وأصبح 150 ريالاً وأحيانا أكثر, فجامعة الأميرة نورة وحدها وفرت 70 ألف شخص لبنائها ما بين مهندسين وفنيين والغالبية الكبرى كانت عمال البناء.
الأدهى من ذلك والأمر هو ظاهرة هروب الخادمات والسائقين, والتي عززها قوة الطلب للعمالة في تلك المشروعات, حيث عانت آلاف الأسر في الرياض من هروب خدمهم وسائقيهم بعد استقدامهم بآلاف الريالات, لينتهي بهم الأمر في إحدى تلك المنشآت في ظل الرواتب المغرية التي تقدمها من تحت الطاولة, وساعات العمل القليلة دون حسيب يحاسب أو رقيب يراقب, حتى قررت إحدى معارفي مرة الذهاب مع مجموعة من صديقاتها -الذين عانين من لعنة هروب الخدم - إلى إحدى تلك المشاريع, والقبض عليهن وتسليمهن للشرطة أو إعادتهن إلى البيت, ذلك الفعل الذي يظهر مرارة وغضب كبيرين تعاني منه كثير من العائلات.
ما يطرح سؤالا كبيرا هنا أين الرقابة عن ما يحدث من تجاوزات في أسعار مواد البناء؟ وأين هي عن شركات المقاولات التي باتت تستقبل العمالة السائبة والهاربة بالأحضان, على حساب المواطن الذي لازال يتساءل بحسرة من يعيد له حقه ويوقف هذا المسلسل الذي لم يتوقف عن حصد المزيد من الخسائر المادية والوقتية؟ ثم هل سألت نفسها إدارة تلك المشاريع:هل إذا تم افتتاحها في زمن قياسي سيتم تشغيلها بكامل أجزائها وطاقتها الاستيعابية؟ أم أن ذلك يتطلب وقتا, وإذا كان ذلك فالأولى أن توضع خطة زمنية لافتتاحها بشكل جزئي دون العمل تحـــت ضغط عامل الزمن وبالتالي تجرع مرارة عواقبه.
لا شك أن تلك المشاريع هي مستقبل هذه المدينة الطموحة, ويعول كثيرا على مخرجاتها ونتائجها والفرص الاقتصادية والحضارية التي ستصنعها, ولكن في المقابل هل نتروى قليلا ونسأل ما الذي قد يحدث أمام كل ذلك الضغط الحاصل لإنجازها, وما هي العواقب التي قد تواجهنا وبالأخص تلك التي تمس المواطن البسيط الذي سُحق أمام عمالقة المقاولات وضخامة إمكانياتهم, وبات يدفع ضريبة عشوائية التخطيط حينا ًوغياب الرقيب أحيانا ً أخرى وهو يردد «العين بصيرة, واليد قصيرة».
Twitter:@lubnaalkhamis