اطلعت على ما كتبه الأخ الفاضل محمد بن فهد العتيق في عدد الجزيرة رقم 14576 الصادر يوم الثلاثاء 17-10-1433هـ في صفحة عزيزتي الجزيرة، حول الحديث الموضوع (الجنة تحت أقدام الأمهات)، وإذ أشكر الأخ الفاضل على اهتمامه بهذا الجانب، وكذلك من قبله الأخ الفاضل عبدالرحمن صالح الدغيشم في أعداد سابقة من جريدة الجزيرة (صفحة عزيزتي الجزيرة) وحرصهما الدؤوب على تتبع مثل هذه الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وبيان درجتها للقارئ الكريم، ولأهمية الموضوع أشير إلى نقطة في غاية الأهمية يجب أن ينتبه لها القارئ الكريم، وكذلك من يتصدى لمثل هذه الموضوعات المهمة، وهي معروفة لدى المحدثين -فالحديث عند ما يحكم عليه علماء الحديث أنه ضعيف، أو موضوع المقصود أن هذا الحديث الموضوع لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتلفظ به، ولا يصح روايته عنه صلى الله عليه وسلم، ولا يصح الاحتجاج به في الأحكام الشرعية، أو أنه لم يقله بهذا اللفظ ولكن بألفاظ أخرى تعطي المعنى نفسه، فالأمر يحتاج إلى دقة متناهية.
والدليل على أن بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة معناها صحيح، وإن لم ترفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم: (الجنة تحت أقدام الأمهات) فمعناه صحيح ولا خلاف عليه، ولكن لا ننسبه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيد أن هذا المعنى صحيح حديث: معاوية بن جاهمة رضي الله عنه - الذي أورده الأخ فهد، وإن كان في إسناده اختلاف إلا أن الألباني حسنه -وذلك عند ما أراد معاوية الغزو وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستشيره فقال له: (هل لك من أم؟ قال نعم قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها) وهو معنى الحديث الموضوع (الجنة تحت أقدام الأمهات) تماماً، وإنما اختلف في اللفظ فقط، فالحديث في اللفظ السابق موضوع، ولا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ نفسه، وإن كان المعنى صحيحاً، بل يورد اللفظ الصحيح، والأحاديث الموضوعة والضعيفة لا تخلو منها كتب الفقه والتفسير والوعظ والترغيب والترهيب.. إلخ، ولها أثرها السيء على المسلمين، وتساهم في تشويه بعض صور الإسلام المشرقة، وكذلك نقطة أخرى تهم من يتصدى لمثل هذا الأمر، وهو أن لا يكتفي بمصدر واحد للتضعيف والتصحيح، فبعض الأحاديث فيها خلاف، كبعض مسائل فروع الفقه، فبعض المحدثين يصحح حديثاً، وآخر يضعفه، أو يحسنه، وعلم الحديث علم واسع، يحتاج إلى توسع وتدبر، وفقه في علومه ومصطلحه، حرصاً على جناب النبي صلى الله عليه وسلم من أن ينسب إليه ما لم يقله، فإذا اختلف علماء الحديث في حديث معين، بين مصحح ومضعف، أو قائل بالوضع، فإذا كان عندك قدرة على التصحيح والتضعيف، والترجيح لما تملكه من علم بهذا المجال، فعليك بما ترجح بموجب القرائن والشواهد، أما إذا لم تستطع فخذ بكلام المتقدمين من علماء الحديث، فهم أولى من المتأخرين، قال الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله تعالى- في مجموع الرسائل والفتاوى م 26 صفحة 187، (إذا كان عندك قدرة لمعرفة سبب التضعيف وأنه حقيقة، فاتبع ما ترى أنه الحق سواء كان من كلام المتقدمين أو من كلام المتأخرين، أما إذا لم يكن عندك قدرة، وأنت تقول إنك طالب مبتدئ فاتبع ما يقوله الأقدمون، لأنهم أقرب إلى الصواب من المتأخرين) اهـ. والله الموفق.
سليمان بن صالح الدخيل الله - بريدة