مصير الأسرى، أياً كان سبب الأسر، هي قضية إنسانية لا يمكن فصلها عن المشاعر الإنسانية سواء أكانت مختزنة لدى مسؤولين كبار أو حتى مَنْ أُسقطوا من الكراسي العليا التي كانوا يتبؤونها وبالتالي فهي مرتبطة بأخلاقيات الإنسان قبل أن تكون ذات علاقة بالنظام الذي يُعد في النهاية أنه تجميع لأخلاقيات وفكر من يديروا ذلك النظام.
والأسرى الكويتيون الذين هم في الحقيقة مختطفون اختطفتهم قوات نظام صدام حسين عندما غزت دولة الكويت، وقد تبقى من هؤلاء الأسرى المختطفون أكثر من 600 مواطن كويتي، وبعد غزو القوات الأمريكية وحلفاؤها للعراق واحتلاله سلمت الحكومات العراقية التي نصبتها قوات الاحتلال قوائم رسمية حددت فيها مواقع رفات 236 أسيراً مختطفاً من أصل الستمائة، ورغم محاولات البحث والاستقصاء التي قامت بها فرق كويتية وعراقية متخصصة، إلا أن جميع تلك الجهود لم تسفر عن شيء مما عزز الاعتقاد بوجود قسم كبير منهم لا زالوا أحياء.
وقد ظلت قضية عدم معرفة مصير الأسرى المختطفين الكويتيين غامضة وغير معروفة حتى فجّر قبل أيام مستشار الأمن الوطني العراقي السابق موفق الربيعي «قنبلة معلومات» من شأنها قلب ملف الأسرى المختطفين الكويتيين في العراق رأساً على عقب، فقد نقلت صحيفة السياسة الكويتية عن المستشار السابق وعن مصادر عشائرية في العراق تؤكَّد أن أكثر من 350 كويتياً بقوا أحياء حتى سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003م، وسط ترجيحات كما جاء في خبر السياسية الكويتية بأنهم نقلوا إلى إيران في إطار حسابات سياسية لبعض الأطراف العراقية التي استغلت انهيار الدولة العراقية وقامت بعملية ترحيلهم إلى إيران للمساومة عليهم في الوقت المناسب.
إن المعلومات التي نشرتها الصحيفة الكويتية تشير إلى أن آخر وزير للداخلية في نظام صدام حسين وطبان التكريتي (وهو الأخ غير الشقيق لصدام) أكد للمسؤولين في حكومة نوري المالكي أن القسم الأكبر من الأسرى المختطفين الكويتيين ظلوا أحياء حتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003م.
هذه المعلومات أكدها أيضاً موفق الربيعي مستشار الأمن الوطني العراقي للسياسة الكويتية، وقال إنه تحدّث مع أربعة شخصيات كبيرة في النظام السابق بشأن ملف الأسرى الكويتيين وهم: صدام حسين، وشقيقه بارزان (قبل إعدامهما)، ووطبان التكريتي، وطارق عزيز.. ومع أن الربيعي لم يتكلم عما قاله المسؤولون العراقيون السابقون حول هذه المسألة معتبراً ذلك من أسرار الدولة العراقية، إلا أنه لمّحَ بأن تأخير إعدام وطبان له علاقة بهذه القضية.
أقوال الربيعي التي عززتها مصادر عشائرية عراقية التي أكدت بأن الأسرى الكويتيين قد هُربوا إلى إيران حسب تأكيد الشيخ أركان الغزي الذي أدلى بتلك التأكيدات لصحيفة السياسة الكويتية.
هذه المعلومات التي تمثل بصيص أمل لعوائل الأسرى التي تفيد بوجود 350 كويتياً لا زالوا أحياء، تفرض على الأشقاء الكويتيين التحرك بسرعة وتشكيل لجنة تحقيق، وفتح اتصالات ومباحثات مع العراقيين واستنطاق من جاء ذكرهم وبخاصة موفق الربيعي والشيخ أركان الغزي ووطبان التكريتي وطارق عزيز قبل إعدام الآخرين، وأن يفلح الكويتيون في إقناع العراقيين للتعامل مع هذه المسألة كقضية إنسانية بعيداً عن الحسابات السياسية.
jaser@al-jazirah.com.sa