ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 09/09/2012 Issue 14591 14591 الأحد 22 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

إن كان الكثير من المحللين داعبتهم خيوط المؤامرة حين انجلى عام 2010 عن ثورة تونس الرائعة لتعقبها ثورة مصر الأروع فاليمن ثم سوريا، فقد تذكر الكثيرون كونداليزا رايس وشرقها الأوسط الجديد.

فقد كانت تلك الأحداث المتعاقبة بسرعة وأناقة وقوة قد صدمت العقول وألجمت الألسن،

ليس الأفراد فقط بل وحتى الدول وأجهزة المخابرات الدولية، ولأن ما سبق ذلك في واقع الوطن العربي كان ليلا حالك السواد إلى درجة جعلت الكثيرين يستسلمون للأمر الواقع ويقبلون ما يجري كقدر لا مرد له، حتى أصبنا بتخمة ردود الأفعال المتلاحقة مرة تلو مرة، وليظهر من يقول لنا: كفى... علينا أن نستسلم لهذا الأمر الواقع لأننا نستحقه وأنه طبيعي وبديهي، وينعتون بالتخلف كل من يحاول البحث عن خيوط تربط هذه الأحداث، معتبرين أن أي حديث عن مؤامرة هو ضرب من الخيالات الظلامية التي عفا عليها الزمن، مما جعل كاتباً مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل وهو في الغالب يستند في تحليلاته وأرائه السياسية على وثائق ومستندات كما يكرر دائما إلا أنه وفي خضم هذا الإرهاب الثقافي تحرج واستأذن في إحدى المرات متابعيه لطرح فرضية المؤامرة، دون أن ترفع الحرج عنه قوة الوثائق والمستندات، وما كان ذلك إلا للابتعاد عن صخب وفحيح أفاعي ثقافة عقد التسعينات من القرن الماضي التي يروعها أشد ما يروعها المساس بسمو (الأنكل سام) ونعيمه، ووصم كل من يطرح فكرة المؤامرة بالعجز الفكري والتخلف، واستمروا على هذا الحال حتى فاجأتهم الثورة التونسية ثم المصرية ليقفوا مذهولين غير قادرين على فهم ما يجري، فمن ناحية لا يجوز بزعمهم الركون لفرضية المؤامرة ومن ناحية أخرى لا يريدون أن يصدقوا أن الواقع العربي انقلب على قناعاتهم التي ترسخت بأذهانهم إلى حد التصديق بل والإيمان الشديد أن العرب أمة طفيلية متخلفة تعيش على الأرض عالة على الأمم الغربية المتحضرة، هذه الحقبة المتصلة من العقد الأخير في القرن الماضي والعقد الأول للقرن الحالي كانت صاخبة بالعسكرة الأمريكية والعنترية الإسرائيلية إلى الحد الصادم للعقل والقلب العربي المسلم، فمن العراق إلى العراق ثم العراق إلى لبنان إلى غزة، غزو واحتلال وقتل وتدمير غير مسبوق، أججتها وهيجتها عمليات مجنونة وغير متوقعة إطلاقا في ضرب أنف الولايات المتحدة الأمريكية، مما هيج الثور الأمريكي وجعله يركض على غير هدى في القتل والتدمير واحتلال أفغانستان والعراق، وكانت حبال شياطينه المجنونة لازالت طويلة لتواصل القتل والتدمير والاحتلال في بلدان عربية أخرى، لولا أن التكاليف المالية كانت باهظة جدا جدا على محفظة المواطن الأمريكي، حتى بشرتنا كونداليزا بشرق أوسط جديد وما لبث سيدها أن ظهر ليعلن الفوضى الخلاقة بديلا عن التدخلات العسكرية.

وكان ظهور الربيع العربي فجأة ودون مقدمات كافياً ليوجه بوصلة عقول المفكرين ليربطوا بين ما يحدث وتلك الفوضى الخلاقة التي اعتقدنا لفترة قصيرة أنها صارت أحلام رئيس أرعن أحمق مضى إلى غياهب التاريخ غير مأسوف عليه، لكن أحد لم يكن راغباً في استلهام المؤامرة أو استحضارها، فمن يؤمن بقدرة العروبة على استنهاض ذاتها والاستعلاء على ضعفها لم يكن بحاجة لاستعارة قصص المؤامرات أو الاهتمام بها أصلا في خضم ثورة شعب على الظلم والطغيان باعتبار ذلك جزء من أصالة هذه الأمة، في حين وجد من لا يؤمن بالمؤامرة باعتبارها من مبررات العجز العربي وجد نفسه مصدوما ومذهولا بسقوط قناعاته وتهاوي مثله التي آمن بعظمتها وخاصم لأجلها عروبته وثقافته، واهتزت فيه أركان التجانس والتناغم مع فلسفة الأمر الواقع التي اعتنقها ونافح عنها طيلة عقدين من الزمن، تلك القناعة التي استمدها من وهج الحضارة الغربية في قوتها وعظمة ما وصلت إليه علم وأدب، وما أن ظهر برنارد ليفي حتى احتضنته هذه العقول واستماتت في إبرازه وإظهاره على أنه محرك هذه الثورات ومؤججها، واستندوا على صور له في تونس وليبيا وميدان التحرير وسط القاهرة، فاستقدموا هم هذه المرة نظرية المؤامرة خلافا ونقيضا لما كانوا يزعمون الإيمان به وينبذون بل ويستخفون بمن يستند أو يعتمد على ذلك وقالوا: إن ما حدث في بعض أقطار الوطن العربي ليس ثورات وإنما هي الفوضى الخلاقة التي صنعها الأمريكان، هكذا عاد من ينكر المؤامرة ويستخف بمن يدعيها إلى إحيائها وإعادة الاستناد والاعتماد عليها، بل وأكثر من ذلك، إذ خرج كاتب ينفر باستمرار من توجهات التيارات الإسلامية ليعلن في مقال صحفي كتبه مؤخرا عن اتفاق بين أمريكا والإخوان المسلمين في مصر مستدل في ذلك على أنهم حكموا مصر واسقطوا العسكر أخيرا دون أن تغضب أمريكا، وهذا بزعمه يكفي لتوثيق المؤامرة، مضيفا أن مصر مبارك لم تغلق الأنفاق في حين يفعلها اليوم حزب الإخوان، في محاولة منه لخلق منفذ شك يدعم هراء أجوف، ونسى أن مبارك فتح مجرى بحرياً من البحر المتوسط ودفن الجدر الفولاذية والحديد الصلب تحت الأرض مع كهربتها لقتل أكبر عدد ممكن وإحكام الحصار على غزة.

Hassan-Alyemni@hotmail.com
Twitter: @HassanAlyemni
 

لماذا عاد منكرو المؤامرة لاستحضارها ؟
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة