* شرّع الإسلام مبادئ اجتماعية وإنسانية عظيمة، بهدف ضبط السلوك الاجتماعي، وتنظيم العلاقات بين أفراده، ومن ذلك ضبط السلوك في الشارع العام، بحيث تحفظ حقوق الجميع، وتراعى مصالح الكل.
* سمّى الإسلام هذا الضبط والربط بـ(آداب الطريق)، فالطريق هو الدرب المطروق للحركة والتنقل، الذي تتحقق من خلاله مصالح الناس، وتنقضي حوائجهم، فهم في حياتهم اليومية، بين دورهم وأسواقهم ومقار أعمالهم، هذا ذاهب، وذاك آيب، ولهم في طرقاتهم وأسواقهم، حقوق مرعية، وعليهم واجبات مستحقة لغيرهم، فهل نحن نراعي في طرقاتنا وأسواقنا، ما علينا من واجبات، ونحفظ ما لغيرنا من حقوق..؟
* واقع حالنا- مع كل أسف- يشير إلى أننا نعيش حالة انفصام مع تلك الآداب العامة التي شرعها ديننا، وأحكمتها شريعتنا، فلا يعرف الكثير منا ما له من حقوق، ولا يدرك ما عليه من واجبات، ولهذا يكثر الجدل بين الناس في الشوارع والأسواق، وتحتدم الخصومات، وتنشب المشادات، وتقع المصادمات، فتنتهك الحقوق، وتخدش الآداب، وننتج بكل صفاقة، صورة قميئة ومشوهة عن سلوكنا في الشارع العام.
* من آداب الإسلام في الطريق العام: التواضع أثناء المشي: (وعباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هوناً). وكذلك: (ولا تمش في الأرض مرحاً).
* ومنها ذكر الله عز وجل، فذكر الله يصرف الإنسان المسلم؛ عما قد يعترضه في طريقه من جهل الجهلة، وحُمق الحُمقة، وسفل السَّفلة.
* ومن آداب الطريق: كف الأذى بشتى أنواعه، فقد ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يا رسول الله: ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها. قال عليه الصلاة والسلام: فإذا أبيتم إلا المجلس؛ فأعطوا الطرق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر). فكف الأذى معنى شامل لأمور كثيرة وعظيمة منها: عدم إلقاء الأوساخ والقاذورات والفضلات في الطريق أو الساحات والأسواق والحدائق، وعدم قضاء الحاجة والتبول في طريق عام، وعدم جواز حمل ما يؤذي الناس في طرقاتهم وأسواقهم.
* ومن آداب الطريق في الإسلام: إماطة الأذى، وكذلك بذل المعروف، ومساعدة الآخرين، والإحسان إلى الطريق ومرافقه، وغض البصر عن العورات والنساء والأبواب والنوافذ، ثم قمع المنكر ونصرة الحق.
* ما أعظم هذه التشريعات الإنسانية، لو أنها أصبحت في صميم تربية النشء، وانعكست إيجاباً على سلوكياته، في الشوارع التي يذرعها بالسيارات، وفي الأسواق التي يرتادها صباح مساء.
* شوارعنا وأسواقنا؛ تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، نتيجة لتصرفات وسلوكيات قبيحة وقميئة، يأتيها شبابنا بكل إشهار وإظهار، وقد يقع فيها من هم أكبر منهم سناً، دون وعي أو إدراك، ومن يسير في الشوارع، ويتسوق في الأسواق، يرى مناظر مقززة، ومشاهد منفرة، ويسمع فاحش القول، وخادش الكلام، ولا يملك إلا الحوقلة والتعوذ..
* من آداب الطريق العام وحقوق طارقيه، أن يُرى فيه من يحترم تقاليد المجتمع وأعرافه، في اللباس على سبيل المثال، لكن الذي نراه، هو شبان يلبسون ما هو محزّق وملزّق وممزّق، وينفشون شعورهم أو يسدلونها ويربطونها على أكتافهم، مع مكملات من الخواتم والسلاسل وما شابه ذلك، إلى شباشب وصنادل في أرجلهم، والبعض يبدو متهتكاً إلى درجة مقيتة، فهل درس أو قرأ مثل هذا الشاب؛ آداب دينه الحنيف، أو عرف قيم مجتمعه، وما هو عليه من تقاليد حميدة، وأعراف مجيدة..؟!
* هذه واحدة من صور التشويه البصري الذي يعاني منه الطريق العام بيننا.. الشوارع والأسواق والحدائق، وكل ما هو مقصد عام للناس، وحتى المساجد ودخولها بلباس غير لائق، فما بالكم بما يقع من ضروب الأذى التي يأتيها المراهقون عادة، فتكون هي الشرارة الأولى لكثير من المشاحنات والمداحنات والمضاربات، حتى تكبر كرة النار الملتهبة، فتتدحرج إلى أسر وعائلات وأناس؛ لا ذنب لهم إلا أنهم مضطرون للخروج من دورهم، لقضاء حوائجهم من أسواقهم وبنادرهم.
* من المراهقين من يعتدي على المرافق العامة في الأسواق والشوارع العامة في وضح النهار، إما بالتخريب أو التشويه، ومنهم من يعتدي على ممتلكات الغير، وخاصة جيرانه، والعبث بمداخل دورهم، أو سياراتهم. ومنهم من تراه يبصق أمامك بلا حياء أو شعور بالخجل، حتى وهو يقود سيارته، يفتح الباب ويبصق، ثم يضحك في وجهك بكل بلاهة وبلادة..!
* من المراهقين الذين تنقصهم التربية الصارمة، من يتجرأ على دوريات الأمن كما وقع أخيراً، وعلى دوريات هيئات الأمر بالمعروف وموظفي الدولة في البلديات وغيرها، ومراهق- أو هو أكبر من مراهق- تصل به الوقاحة والجرأة؛ إلى هذا الحد من الشراسة والعدوانية، لا يُستغرب منه ارتكاب أفعال إجرامية أكبر من هذه، من سرقة وخطف وقتل، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
* كنت أتابع وأرصد على مدى شهر رمضان الفارط، الكثير من هذه المشاهد التي نصطدم بها بشكل يومي في الطريق العام وفي الأسواق، وحتى أنك وأنت تقود سيارتك في شارع عام، تجد نفسك مهددا بالصدم ممن هو خلفك أو يسير بجانبك، وكأنه يتعمد ذلك..! والبعض منهم فوق مرحلة المراهقة بكثير.. نسأل الله السلامة.
* أظن وبعض الظن ليس بإثم، أننا نمر بمرحلة حرجة، نحتاج فيها إلى إجراءات حازمة وحاسمة، نوقف بموجبها هذا التهتك الشبابي البغيض، ونردع بها كل عابث مستهتر، ونحفظ آدابنا العامة في شوارعنا وأسواقنا، ولا ينهض بمهمة إنسانية واجتماعية ووطنية عظيمة كهذه، إلا جهاز أمني للآداب العامة، يسجل حضوره بشكل قوي في الأسواق والطرق والشوارع، ويضبط أمن الآداب العامة، فيحميها من الانتهاك والتشويه والعدوانية.. شرطة آداب ساهرة، لا تغمض أعينها، لأنها لا تتثاءب، وبالتالي لا تعرف النوم قطعاً.
* أعرف أن مطلباً كهذا، قد يثقل كاهل وزارة الداخلية، التي تنوء بحملين كبيرين: حمل الجهد الأمني، وحمل الإدارة المحلية، ولكن الأمر يستدعي التدخل العاجل، فما يجري بين ظهرانينا من سلوكيات لا يطاق، وقد خرج الأمر من قبضة البيت والمدرسة على ما يبدو، حيث كنا نعلق عليهما فيما مضى عبء التربية والتقويم، فلا المدرسة ولا البيت اليوم في منأى من التشويه الذي نراه على الجدران، والعدوان الذي تتعرض له أبوابها ونوافذها وفوانيس الإضاءة حولها..!
* بوليس للآداب.. أو شرطة آداب عامة.. مطلب ملح، لمواجهة ما يجري من انتهاك فاضح للآداب العامة.. فهل يتحقق هذا..؟
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com(*) باحث وكاتب- صاحب منتدى السالمي الثقافي