سأبدأ بالخلفية العالمية قبل طرح فكرة القراند شيلنجز السعودية، فيتحمل القارئ هذه المقدمات. قبل أكثر من قرن من الزمان قام عالم الرياضيات الألماني ديفيد هيلبيرت بحصر 23 تحدي في علوم الرياضيات تحتاج التركيز لحلها. حصر تلك التحديات حمس الباحثين في مجال الرياضيات لحلها وبعضها لم يكن معقداً لكنه أهمل من قبل الباحثين. وقد تم حل جل تلك التحديات/ المعادلات وأسهم ذلك في تطور البحث والاكتشاف في علوم الرياضيات.
هذه الفكرة استفاد منها الباحثون الكنديون في المجال الصحي فكونوا (Grand Challenges Canada) وهي المؤسسة التي تحمل فلسفة عمل واضحة وغير معقدة في التعرف على أبرز التحديات الصحية التي تواجه العالم وكندا وإتاحة الفرصة للمبدعين وأصحاب الأفكار القادرة على المساهمة في حلها للتقدم. كل ما تطلبه المؤسسة أن يتقدم لها صاحب الفكرة بمقطع يوتيوب من دقيقتين يشرح فيه فكرته، فإن كانت الفكرة معقولة يمنح مائة ألف دولار للبدء في بلورتها إلى خطة عمل خلال عام وبعدها قد يحصل على دعم يصل للمليون دولار أو أكثر. لا يريدون سيرة ذاتية مزركشة بعشرات البحوث ولا يهتمون بالنشر وإنما التركيز على فكرة عملية تقدم حلاً. وقد حصل أن تم دعم أفكار بسيطة أنقذت مئات الآلاف مثل فكرة صنع أغطية تبعد الناموس وقد أسهمت في إبعاد الملاريا عن آلاف الفقراء في إفريقيا، فكرة صنع لقاح لا يحتاج إلى ثلاجة لحفظه، فكرة صنع لقاح غير مكلف يسهل توزيعه مجاناً للملايين بأفريقيا وغيرها، الكشف على التصلب اللوحي عن طريق جهاز الاستنشاق، وغيرها من البرامج.
وقد أخبرني البروفسور عبدالله دار، العضو الفاعل في (قراند شلينج كندا) وأستاذ الجراحة المعروف بجامعة ترورنتو ومؤسسة روتمان، رئيس لجنة أخلاقيات البحوث الطبية (بالمناسبة البروفسور هو أحد العلماء العرب المهاجرين والذين نفخر بشهرتهم العالمية)، إلى أن مؤسسة بيل قيتس دعمتهم بمبلغ أربعين مليون دولار كمساهمة تضاف إلى مساهمات الحكومية الكندية والجهات الأخرى الداعمة لمشاريع كندا قراند شيلنج. وأضاف بأن مؤسستهم لا تتحيز لجنسية محددة بل هي تدعم الكفاءات من جميع أنحاء العالم وكل ما تطلبه هو ما أشرت إليه سابقاً فكرة يتم إيضاحها خلال يوتيوب لدقائق. وقد تم فصل برنامج المنح المقدمة للباحثين الكنديين عن تلك المقدمة للكفاءات من خارجها لضمان إتاحة الفرصة للجميع وقد دعمت كفاءات عديدة من دول العالم الثالث.
هذه التجربة بدأت دول أخرى تبنيها مثل البرازيل وكوريا، بل أن الرئيس الأمريكي اوباما أصبح يستخدم (الثيمة) التي تعتمد عليها هذه المؤسسة الكندية المتمثلة في تحديد التحديات والتركيز في إيجاد حلول لتلك التحديات أو المشاكل، وفق طرق علمية وطرق مبتكرة، وربما يصدر قريباً أمريكا (أوباما) قراند شيلنج!
هنا أربط الموضوع بمقالات سابقة كتبتها وتتعلق بالبحث العلمي، حينما انتقدت بحوثنا لأنها مجرد تضخيم للسير الذاتية للباحثين ومحاولة لزيادة النشر العلمي وأطالب بأن نفكر بطريقة خلاقة تشابه ما يحدث في كندا قراند شيلنج بحيث نحدد أهم التحديات الرئيسة التي تواجهنا ونركز جهودنا في حلها. بمعنى آخر نركز على العمل العلمي أو الإبداعي الذي يقود إلى حلول ونتائج لمشاكلنا. ليكن ذلك في الصحة وفي كل مجال أو حتى ليكن على مستوى الوطن بحيث نتعرف على أبرز مشاكلنا الوطنية التي هي بحاجة للحل وندعم الأفكار الإبداعية القادة على حلها.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm