لا يوجد إنسان لا ينشد “السعادة” أو لا يتمناها، وإن كان البعض يرى صعوبة الطريق إليها، إلا أن البحث عنها ليس بالأمر العسير؛ لأنها في داخل كل منا، ولن يشقى إلا من يبحث عن السعادة عند الآخرين؛ لأنها في أعماقنا، والمهم أن نُحسن استخراج هذا الشعور المريح الذي ينعكس على راحة وطمأنينة الإنسان، ويظهر جلياً في وجهه؛ إذ إن هناك وجوهاً تظهر عليها السعادة الداخلية، وهذا لا يعني أن هذا النوع من البشر لا يحملون آلاماً ولا أوجاعاً من هذه الدنيا ومن فيها، إلا أن الانتصار على هذه الأوجاع وعدم الاستسلام لها إحدى الطرق التي تجعل الوجه يشع بالسعادة.
وإن اختلف شكل ومضمون السعادة من شخص لآخر، إلا أن الهدف المنشود واحد بلا أدنى شك. وقيمة السعادة نابعة من ذات الإنسان، وحجم رضاه عن ذاته، وهي اكتمال لمنظومة الانفعالات الإنسانية؛ إذ يكون التعبير عن هذه الانفعالات أكثر انضباطاً لدى الشخص السعيد، كحالة الغضب مثلاً، التي تختلف من شخص لآخر، إلا أن الإنسان الذي تنبع من داخله مشاعر الرضا عن النفس يكون أكثر ثقة في نفسه؛ فتختلف تعبيراته عند الغضب عن الشخص الذي يشعر بشتات داخلي، لا يستطيع التحكم بكثير من سلوكياته، من بينها ترجمة حالة الغضب أو أي انفعال آخر. هذا المؤشر قد يجعلنا نكون أكثر تنبهاً لدواخلنا، والتفتيش عن المواقع الإيجابية التي تجعل الصورة الداخلية لنا فيها كثير من الصفاء، وهذا هو أكثر ما يظهر على وجه الإنسان بتفاصيله، وخصوصاً “العينين” اللتين تتحدثان بكثير من الكلام الذي لا يُقال، وهما عنوان الشخص؛ لأنهما أكثر ما يعكس داخله، وكتب عن هذا كثيرٌ من الشعراء، كالقائل:
“العين تنطق والأفواه صامتة
حتى ترى من صميم القلب تبيانا”
ومن ملاحظتي الشخصية، أجد أن شكل عينَيْ الإنسان السعيد يختلف عن عكسه، والعيون السعيدة تبدو دائماً أجمل، ويلمع منها بريق السعادة والأمل والرضا والتفاؤل، والمشاعر الإيجابية كافة التي يخلقها الإنسان من داخله مهما تراكمت همومه وآلامه، فإن لحظات السعادة الداخلية هي من أجمل الأوقات التي يعيشها الإنسان مع نفسه، ولا يمكن أن يجد لها بديلاً عند أي شخص آخر..
كما أن السعادة ليست في اكتمال جوانب الاحتياجات الإنسانية، وإن كانت هذه الاحتياجات مؤثرة بلا شك، إلا أن غيابها أو عدم وجودها لا يعني أن يستسلم الإنسان لليأس، ويملأ جوف قلبه بالتعاسة والإحباط اللذين يجعلان الإنسان عاجزاً حتى عن أقل تصرُّف أو حراك تجاه الأمل وكسر المشاعر السلبية والبقاء في حالة استسلام كامل لها؛ فيشعر بالموت قبل أن يموت فعلياً، ويشعر بالانكسار والهزيمة التي تشتت أنقى وأنبل وأجمل مشاعر، هي مشاعر الإنسان الداخلية، وحبه لنفسه بألا يترك هذه النفس تشقى وتتألم مهما واجه من انكسارات الزمن؛ لأن الإنسان طبعه القوة، وأكبر قوة هي هزيمة الألم وإشعال أنوار الأمل بالابتسامة وتذوُّق جماليات الحياة، وأن نتذكر دوماً أننا نملك الحلم، وهو أكبر معركة تستحق فعلاً أن نخوضها لأجل قيمة ثمينة هي السعادة.
www.salmogren.net