عندما أشاهد أبي يغدو ويروح من أجل تلبية طلب بسيط طلبه منه حفيده «حسن» أدرك تماما أن الظروف التربوية تغيرت، وأننا أمام مرحلة لا يمكن أن نقارنها بمرحلة الماضي أو على الأقل مرحلتنا نحن أبناء الثلاثينيات.
لم يكن يدور بخلدي أن أتجرأ في يوم من الأيام وأطلب من أبي هذه الطلبات التافهة - كذلك نراها حتى عندما كنا صغارا- فما بالك بجدّيَّ رحمهما الله؛ حيث كنا حينها نقدر الظروف ونعرف تماما ما هو المقدور عليه والعكس.
ظروفنا الاجتماعية المتغيرة تحتم على الأجيال القادمة كسر حواجز تربوية شديدة الاحمرار في خطوطها الممتدة من قاع العيب، كيف لا وهي المتشربة ليس من ثديين فقط كما هو زماننا، بل أبيح لها اليوم أن ترضع من أي بيت يحلو لها من بيوت التقنية خاصة مع تعدد الخيارات.
هنا علينا أن نتوقف قليلا أمام مؤسساتنا التربوية، وأعني وزارة التربية والتعليم: كيف تعاملت مع الضخ التقني الهائل من جميع الجهات المحيطة بالطالب ? وإذا ما أردنا التحديد أكثر داخل مدرسته بل حتى داخل فصله وماذا قدمت للمعلم من تهيئة تقنية تتواكب مع يدور في العالم.
لا زال السير بطيئا جدا إذا ما تحدثنا عن التنفيذ، لكن الوعود بحد ذاتها تشكل أملا قويا بأن الأماني التقنية ستتحقق لكنها في الوقت ذاته أمام مرحلة «نهضوية» للعمل على موازنة حقيقية للمتلقي بين قفازات التقنية العالمية ومواكبته لها، وبين حفاظه على جذوره الأصيلة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنها مهما كانت الظروف.
فلذلك ما أتمناه -إن حدثت ثورة تقنية في مدارسنا- أن تكون هناك ثورة أخرى مضادة وصانعة للتوازن تؤصل ما تربينا عليه من أسس تربوية فاضلة.