اعتداء بعض الشباب على الدوريات المرورية وعلى رجال الأمن يجب أن يدفعنا إلى طرح أسئلة جادة عن الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب للقيام بهذه الأعمال، والبحث عن إجابات معمقة لهذه الأسئلة على أمل الخروج بمعالجات رشيدة وغير انفعالية.
يجب أن ندرك أولاً وقبل كل شيء أن هؤلاء الشباب هم شبابنا ولا يمكننا أن نتخلى عنهم أو نستبدلهم أو نرميهم في البحر، فهم منا ومعنا سواء كانوا طلقاء في الشوارع يضايقون غيرهم ويعتدون على رجال الأمن أو كانوا خلف القضبان في السجون.
بعض الشباب الذين يعتدون على رجال الأمن ويرتكبون تجاوزات ومخالفات هم من طلبة المدارس، وبعضهم يملكون سيارات خاصة فخمة ويرتدون ملابس غالية الأثمان؛ وبالمجمل ليس دقيقاً أن يُقال إن جميع هؤلاء الشباب هم من فئات محتاجة دفعهم العوز المالي والحاجة الاقتصادية إلى الاحتجاج ضد المجتمع واختاروا هذه الطريقة للتعبير عن احتجاجهم. يضاف إلى ذلك أن هذه الممارسات حدثت في أكثر من منطقة من مناطق المملكة، وبالتالي فهي وإن كانت أقل من «ظاهرة» إلا أنها أكبر من أن تكون «حادثة فردية» منعزلة، وهي ليست مرتبطة بمدينة أو منطقة معينة.
كل ذلك يجب أن يجعلنا نتساءل عن سر هذا السلوك الشبابي الساخط؛ فما الذي يدفع تلميذاً في المرحلة المتوسطة أو الثانوية أو طالباً جامعياً لازال على مقاعد التلقي الدراسي إلى التعبير عما في نفسه بهذه الطريقة غير السوية!؟
سنجد في تجارب «الشباب الغاضب» في بعض دول العالم ما نستفيد منه في إيجاد معالجات جادة لقضايا الشباب. لكنَّ المؤكد أن فكرة «العقاب» وحدها ليست حلاً. وللأسف، كان رد الفعل المبدئي للعديد ممن تناولوا هذا الموضوع في الإعلام ينطلق من فكرة «العقاب» ولا يتعدى ذلك إلى محاولة التعرف على الأسباب التي تدفع بعض الشباب إلى التصرف على هذا النحو الشاذ.
في الغالب يتصرف «الشباب الغاضب» بهذه الطريقة تعبيراً عن علاقة غير سليمة مع المجتمع. ورغم الفارق الكبير بين ظروف المجتمع السعودي المعاصر وظروف المجتمعات الأوروبية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ثم في حقبة ما بعد العولمة فإن الحركات الشبابية «الغاضبة» في أوروبا كانت تعبيراً عن ضيق الشباب ونفاد صبرهم من القيم الاجتماعية التي لا تستجيب لمتغيرات الزمن وتستمر في جمودها المحبِط والقاتل. إنه شيء يشبه «صراع الأجيال» لكنه أفدح وأخطر.
لابد لجهةٍ ما، في الحكومة أو خارجها، أن تنظر إلى مشكلات الشباب، وتدرسها بالجدية المطلوبة، وتقترح الحلول الواقعية المناسبة، ثم بالجدية ذاتها تأتي جهة تنفيذية أو جهات متعددة وتطبق هذه الحلول. وفي كل الأحوال لن يكون «العقاب» وحده هو الحل.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض