لندع الخطاب الإعلامي الفج، ولنقترب من الواقع الذي نحسه ونشعر به في حياتنا اليومية، فنحن نعيش وسط أزمات تتضخم لم نستطع حلها رغم تقدم تجربتنا الوحدوية التي انطلق بها الملك المؤسس العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، أي أن أكثر من ثمانين عاماً مرت ونحن نبني دون أن نقطع الشوط الذي نتمنى. نعم تجاوزنا مراحل أولية في التعليم والتطبيب وغيرهما؛ ولكننا بالمقارنة مع تجارب عالمية أخرى وبالنظر إلى ما نملكه من ثروة هائلة لم ننجز ما يقترب مما أنجزته التجربة الكورية أو الماليزية مثلاً!.
ما زلنا نعاني من نقص كبير في الجامعات، فلدينا خمس وعشرون جامعة حكومية وعشر أهلية، وبعض الجامعات في واقعها كليات لم تكتمل في منظومة جامعة حقيقية، ولكن أطلق الاسم عليها تجاوزًا، ولدى الأردن على صغر مساحته وقلة عدد سكانه أكثر من أربعين جامعة، ولدى كوريا أكثر من أربعمائة جامعة، ونحن أحوج إلى عدد أكبر من الجامعات النوعية تستوعب الأعداد الهائلة من الشباب والشابات الذين استوعبهم مشروع خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وعددهم ينيف على مائة وخمسين ألفاً، ومن المؤمل أن يصل في السنوات القادمة إلى مائتي ألف، ماذا يمكن أن يحدث لو لم يطلق الملك عبدالله مشروعه الرائد هذا؟! وهل يمكن أن ننسى إلى وقت قريب - وما زال له بقايا - كيف يتناثر أبناؤنا وبناتنا في جامعات عربية قريبة ليست أكثر تقدماً منا؛ ولكن الحاجة دفعت كثيرين منهم إلى الاغتراب في دول قريبة محيطة، كالسودان واليمن والأردن ومصر!
لو لم يستوعب مشروع الملك عبدالله مائة وخمسين ألف مبتعث فإن من المفترض إنشاء خمس وعشرين جامعة على الأقل تضاف إلى ما هو موجود لاستيعابهم!
ونحن نعاني نقصًا حادًا في المستشفيات والعناية الصحية على الرغم من وجود مستشفيات ممتازة كالتخصصي أو الملك فهد أو مدينة الملك عبدالعزيز الطبية، إلا أن الحاجة لا زالت ماسة وملحة لتوسع كبير يفي بحاجة أبناء البلاد للتطبيب. ولا زلنا بدائيين جدًا في شبكة السكك الحديدية، ومن الخير ألا نثير المرارة في هذا الجانب؛ لأنه لن تفيه أسطر قليلة من الهجاء والاعتراف بالعجز عن الإنجاز في مجال تقدمت فيه دول كثيرة وهي أقل منا قدرة مالية وأحدث منا في التجربة التنموية! أما الطرق الطويلة فليست هي الأخرى بأحسن حال، فتجربة سفر على أي طريق طويل يكشف سوءات التنفيذ وسوء الصيانة وعدم التجديد وازدحامه الهائل بالعربات لشح الطرق والوسائل الأخرى! ونحن متخلفون أيضًا في النقل الجوي؛ فمن يصدق أننا نرتهن إلى شركة طيران واحدة كسيحة مزمنة الأدواء والأمراض والعلل عجزت أن تتطور وأن تقدم ما تقدمه نظيراتها في دول الجوار القريبة، وهي أحدث منها نشأة وخبرة؟! كيف لم نفكر في إنشاء وتكوين واستضافة أو التضامن والشراكة مع شركات عالمية رائدة تخدم أجواءنا وتحل أزمة السفر المزمنة المرهقة، حتى أصبح التخطيط للسفر إلى جدة أثقل بكثير من التخطيط لأي بقعة نائية في العالم لشح المقاعد المتوفرة في الخطوط السعودية!
وما زلنا متخلفين في صناعة الثقافة والإعلام، ومتخلفين في غير الصناعات البترولية والكيمائية، ما زلنا بعد لم نستفد من طاقات أبنائنا شباناً وشابات في التنمية المدروسة المنتجة لا الوظائف الخاملة التي هي بمثابة ضمان اجتماعي! لا زالت طوابير البطالة تمتد وتتضخم دون حلول جذرية وفي المقابل يصدر ثمانية ملايين عامل أجنبي كل شهر مليارات الريالات إلى الخارج؟!
لِمَ لم نستكمل أحلام نهضتنا؟ سؤال مر! لِمَ لا نستنسخ التجارب الناجحة القريبة والبعيدة، وهل من ضير في أن نكمل عقولنا بعقول متميزة أثبتت نبوغها وتفوقها في التخطيط والإدارة والاقتصاد؛ كاليابان، أو كوريا أو ماليزيا؟!
moh.alowain@gmail.commALowein@