تساءل الزميل «سليمان الهتلان» في مقالته «لماذا دبي» المنشورة في جريدة الشرق عن كيفية نجاح «الإمارات في استقطاب عشرات الآلاف من السواح الخليجيين في الوقت الذي لا يختلف فيه طقسها عن بقية دول الخليج؟»؛ ومُجيباً؛ في الوقت نفسه؛ بأن «منظومة متكاملة من الخدمات تشمل الأمن والطرق وأريحية التعامل والشعور المهم بالحرية من عيون الفضوليين» تقف خلف ذلك النجاح. أتفق مع رؤية الزميل الهتلان؛ إلا أن تسويق دبي خليجياً وعالمياً ساعدها في تبوء موقعها الحالي على خارطة السياحة الخليجية. ركزت حكومة دبي على السياحة؛ وتعاملت؛ باحترافية؛ مع ثلاث مجموعات مهمة من مكونات السياحة وهي سياحة الأسرة والتسوق؛ سياحة المعارض والمؤتمرات، وسياحة الترفيه بنوعيه؛ واجتهدت في تحويل مطار دبي إلى مطار ربط عالمي ساعدها كثيراً في تحقيق أهدافها السياحية؛ ولولا بنيتها التحتية الحديثة المتوافقة مع متطلبات العصر، لما استطاعت الوصول إلى ما وصلت إليه اليوم، ولو أنفقت جُل ميزانيتها على التسويق. في ظني أن البحرين تستقطب؛ على مدار العام؛ أكثر مما تستقطبة دبي من السياح الخليجيين؛ رغم محدودية الموارد والمرافق السياحية المهمة؛ إلا أن سياحة التسوق والترفيه نجحت في جعلها وجهة مهمة للسائحين القادمين من السعودية؛ الكويت؛ وقطر.
ما وصلت إليه دبي من تكامل المنظومة الخدمية؛ بالرغم من أهميته، وجماله؛ وجاذبيته؛ يمكن تحقيقه محلياً؛ أو في أي من الدول الخليجية الأخرى؛ وأحسب أن قطر في طريقها لاستقطاع حصة مهمة من سوق السياحة الخليجية؛ هناك تجارب مهمة في «تكامل المنظومة الخدمية» داخل المملكة؛ إلا أن قصور الرؤية السياحية؛ والأنظمة، والتوجه العام؛ ربما حدوا من تألقها. تجربة مدينة الجبيل الصناعية النموذجية تُشابه في مكوناتها الخدمية والتنظيمية تجربة دبي؛ رغم فارق الإنفاق، والتركيز الخدمي؛ إضافة إلى الفارق الكبير بين «إمارة» شبه مستقلة؛ ومدينة صغيرة. تركيز مدينة الجبيل الصناعية على الجانب الصناعي أنساها الكثير من قدراتها السياحية الجميلة؛ التي تؤهلها لإحتلال أحد المراكز المتقدمة في خارطة السياحة الخليجية.
أعتقد أن منظومة الخدمات المتكاملة التي تشمل الأمن والطرق وأريحية التعامل والشعور المهم بالحرية من عيون الفضوليين بات متاحاً في المدينة الحالمة؛ التي تناساها الأقربون حتى من كلمة إطراء مستحقة. يتوافق أسلوب إدارة الجبيل الصناعية المُستقل، مع أسلوب إدارة دبي؛ وهذا ما ساعدها على التميز عن باقي مدن المملكة؛ فالهيئة الملكية للجبيل وينبع مسؤولة عن إدارة المدينة وتنميتها وتطويرها دون تدخل من وزارات الدولة؛ استقلالية التنمية وكفاءة الإدارة حققت للجبيل الصناعية ما لم يتحقق لجميع مدن المملكة؛ رغم فارق الإنفاق الكبير الذي يصب في مصلحة الوزارات وإداراتها المنتشرة في المناطق. لو حصلت الهيئة الملكية على ربع ميزانية دبي المخصصة للتنمية السياحية؛ لنجحت في تحويل المدينة إلى إحدى الجهات السياحية الرئيسة في الخليج.
أعتقد أن الجبيل بلغت ذروة التنمية الصناعية؛ وهي أكثر حاجة للتمدد السياحي؛ خاصة مع ضم رأس الخير لإدارة الهيئة الملكية للجبيل وينبع؛ يمكن الاستفادة من «رأس الخير» لإحداث تعديل جوهري في إستراتيجية التنمية؛ بحيث ينقل التمدد الصناعي إلى «رأس الخير»؛ ويشرع في التركيز السياحي على مدينة الجبيل الصناعية؛ وبخاصة سياحة المؤتمرات والمعارض، وسياحة الأسرة والتسوق؛ وأحسب أن مشروع «مردومة» والمشروعات السياحية على الساحل وتطوير الشواطئ البحرية، وفتح مطار الهيئة الملكية أمام الرحلات المدنية جزء مهم من التحول المنتظر. ميناء رأس الخير قد يساعد في تحقيق الإستراتيجية المزدوجة إذا ما نجحت الهيئة في افتتاح منطقة تجارة حرة في منطقة «رأس الخير» ما يساعد على الدمج بين التجارة؛ الصناعة والسياحة في آن.
ومثلما أصبحت الجبيل معجزة الصناعات البتروكيماوية في المنطقة؛ فهي قادرة أن تكون جوهرة السياحة في المملكة والخليج؛ ماذا لو نجحت الهيئة الملكية في استقطاب مدن الترفيه العالمية؛ وعملت على تدشين مدن الألعاب البحرية؛ والثلجية؛ وتطوير الجزر العذراء للسياحة؛ واستحداث مراكز حديثة للتسوق تضم أكبر الماركات العالمية؛ وفنادق ومنظومة سياحية متكاملة؟!؛ أعتقد أن النجاح سيكون حليفها بإذن الله. الإدارة أساس النجاح؛ وأحسب أن الهيئة الملكية قادرة على تحقيق النجاح في الجانب السياحي مثلما نجحت وبامتياز في تحقيقه في الجانب الخدمي؛ التعليمي؛ التنموي؛ والصناعي؛ متى ما توفرت لها الإمكانات المادية؛ وذللت أمامها معوقات الأنظمة.
f.albuainain@hotmail.com