قد يعجب بعضٌ حين تخبرهم أنك أمضيتَ فصل الصيــفِ نائمًا بين اسـتجمام واسترخاءٍ وإغفاءةٍ واستفاقة.؛ فكأنّهـم يرون الصيف أشهر عملٍ، وكأن من المعيبِ إلا تشغل وقتك بمشروعاتٍ ممنهجةٍ من نمطٍ مشابهٍ لما التزمتَ به لغيرك أو ألزمتَ به نفسك.
- هذه هي المفارقةُ التي عاشها صاحبكم وهو يتمطى شهرين كاملين عاطلا سعيدًا بالهدؤ الذي لفهما نأيًا عن الركض، وهو ما لم يعتده في صيوفٍ قائظةٍ ماضيةٍ؛ ما لا يجد له مبررًا سوى حاجته للراحة التامة ولاستعادة نشاطٍ يوشك على النفاد، وربما قضى العمرُ بأحكامٍ لم يألفها، ولا تعنيه تجربته الشخصية إلا بمقدار ما يعنيه شهران أو ثلاثةٌ تفرّ من الزمن لا ندري: أهي التي تحركُنا أم نحن الذين لا نعي دورَنا فيها أو دورَها فينا.
- لم يُمضِ ليلَه يرقبُ مثلث النجم الفلكي، ولم يطوِ نهاره متأملاً زرقة البحر وضفة النهر، ولم يهجر الكتاب والصِّحاب، لكنه جاد على نفسه مثلما أجبرته متغيراتُه أن يجرب صيفًا جديدًا لم يزره حتى في أيام الصِّبا حين كان يتسابق مع أقرانه للتسجيل في المركز الصيفي كي لا تنقضي الإجازة منامًا عابثاً.
- اقترب من دنيا الفراغ فرآها جميلة، ولم يعبأ بالسفر الذي ظنه لازمة، ولم تلهه الاستراحات التي توهمها بديلاً، وراقب الساعة تمر وئيدةً هادئةً هانئةً؛ فغازلها وغزل منها شعرًا لم يزنه الخليل ونازك.
- كان طه حسين (1889-1973هـ) يلغو خلال الصيف ليجِدَّ في الشتاء، وحول ذلك ألف كتابًا قارن فيه بين الفصلين، وقال عن الصيف إنه يوشك أن ينام فيه ويسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس، وإن كل أسباب النشاط مؤجلة إلى حين؛ فغرف الاستقبال مقفلة، وملاعب التمثيل مغلقة أو كالمغلقة.
- لغوُه الباريسي لم يذهب سدى؛ فقد انتجع وأنتج، ولكننا لسنا هو، ثم نقسو علينا حين لا يعنينا منح أنفسنا بين آنٍ وآن نومًا عميقًا نوقف فيه بعض ما درجنا عليه من صرامةٍ تحول بيننا وبين رؤية الحياة من غير مجهرٍ معقدٍ يُحيل الأحياء إلى ذرات والذرات إلى بروتونات تنسينا العامَّ في زحام التلهي بالتفاصيل الصغيرة التي شغلت مجتمعًا لا تُهمه قضايا التنمية الشمولية بمقدار ما يغرق في خلافاته الساخنة حول قضايا فرعيةٍ تعمق الجراح داخل الجسد المتعب.
- لم يجئ هذا الفصل هادئًا كما يوحي المقال؛ فالتهب الشام وتوفزت مصر وتوتر لبنان وجارت مينمار، وعلت لغة الصخب لدينا فصارت وسائط الاتصال مثيرةً ومُثارةً والمتواصلون مثيرين ومستثارين ولو بلغ بعضُهم بعضًا لمُدت الأيدي صفعًا لا مصافحةً ولا صفحا.
- الصيفُ صفاءٌ منكسر.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon