الرياض - خاص بـ «الجزيرة»:
أوضحت دراسة فقهية متخصصة أن لنزول المصائب والمحن سببين الأول: الابتلاء، والثاني: العقاب بسبب الذنوب والمعاصي، وأن القنوت في اللغة يطلق على معانٍ عدة منها: الطاعة ودوامها، والصلاة والقيام والسكوت، ومن أعظمها الدعاء، وأن المراد بقنوت النوازل في الإصلاح: الدعاء المناسب للواقعة الشديدة في الصلاة في محل مخصوص من القيام.
وأفادت الدراسة التي أعدها فضيلة الشيخ الدكتور عبود بن علي بن درع أن الحكمة من مشروعية قنوت النوازل الاقتداء بالنبي - عليه الصلاة والسلام، وفيه اهتمام بأمر المسلمين، وأيضاً اللجوء إلى الله - عز وجل - في كشف الكربة وإزالة الغمة، موضحاً أنه يشرع القنوت لكل أمر نزل بالمسلمين، من خوف عدو وحدوث خطب جلل أو ضرر ظاهر بالمسلمين، ومؤكداً أن قنوت النوازل غير واجب، وتركه لا يفسد الصلاة، بل هو مستحب مثاب عليه، وترجع عدم مشروعية القنوت لرفع الطاعون؛ لأنه شهادة لهذه الأمة لكن إذا رأى المسلمون المصلحة في دعاء القنوت؛ لعظم الضرر الفادح من جراء ذلك فلا بأس بالقنوت، ومثله البراكين والزلازل المتكررة والفيضانات المدمرة.
وأكدت الدراسة - المعنونة بـ: (أحكام قنوت النوازل في الفقه الإسلامي) - أن قنوت النوازل أمره إلى ولي الأمر، فإذا أمر به قنتنا وإلا فلا؛ لأن التفرق مذموم، كما أخشى أن يكون في القنوت بدون إذن الإمام سبب لزعزعة الأمن، وبث الفوضى والفساد كما يحصل في بعض البلاد الإسلامية كالجماعات الحركية التي تستغل هذا الموقف في تفريق الصف والخروج على ولاة الأمر، وإثارة الفتن والله المستعان، مبيناً أنه يشرع القنوت في الصلوات الخمس عند النوازل جهراً، ولا يشرع المداومة على القنوت في صلاة الفجر إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة، كما لا يقنت في الجمعة ولا في السنن الرواتب، لأن العبادات مبنية على التوقيف، ومن زاد فعليه الدليل.
وأبانت الدراسة أنه يجوز القنوت قبل الركوع وبعد الركوع، وإن كان القنوت بعد الركوع أولى، لأنه الثابت من فعل النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يسن التكبير للقنوت قبل الركوع أو بعده؛ لعدم ثبوته بحديث صحيح صريح، كما أن قنوت النوازل ليس فيه دعاء مؤقت، بل يُدعى لكل نازلة بما يناسبها، وأن عامة الدعاء على الكافرين المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان لكف شرهم وإزالة بأسهم، وكسر شوكتهم، ولم يظهر من دعواته صلى الله عليه وسلم رغبته في بقائهم على الكفر وموتهم عليه، وعليه يجوز لعن الكافرين بما يزيل بأسهم، ويكف شرهم، وعدم اللعن في حق الكافرين المسالمين، ومن ترجى هدايتهم، لعدم المصلحة في ذلك، أما الكافر المعين فإن علم أنه مات كافراً جازت لعنته، ومن لم تتيقن خاتمته، فيجوز لعنه بقيد لعنة الله إن كان مات على الكفر، وأما الكافر الحي المعين، فلعنه على سبيل الإخبار غير جائز لأنه ربما يسلم فيرحمه الله، وأما لعنه على سبيل الدعاء عليه بالطرد والإبعاد من رحمة الله فالظاهر أنه غير جائز، لأنه لا مصلحة فيه، بل ربما يزداد شره وإعراضه.
وأوضحت الدراسة أنه يستحب رفع اليدين في دعاء القنوت النوازل، ولا يمسح وجهه بعد الفراغ من القنوت، لأنه لم يثبت بخبر صحيح، وأما مسح الصدر ونحوه فلا يجوز شرعاً، ولا تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد القنوت، أما قبله فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم كانوا يبدأون في دعاء القنوت بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مبيناً أن المأموم يتابع الإمام فيؤمن على دعائه، وإذا لم يسمع المأموم قنوت الإمام لعارض قنت سراً.
وأكدت الدراسة أن سجود السهو لا يشرع لترك قنوت النوازل، ومن سجد فقد خالف السنة، ويقنت في الصلوات الخمس عند أول نزول النازلة، ثم إذا خفت قنت في الفجر والمغرب، ثم إذا زالت ترك القنوت، وإذا رأى المصلحة في ترك القنوت، فإنه يقطعه إذا رأى في الناس مللاً أو تضجراً أو ما أشبه ذلك، فإذا اشتدت الأزمة أعاده، منبهة إلى أن العالم بعامة والعالم العربي والعالم الإسلامي بخاصة يعيش حالياً أياماً وليالي عصيبة في شهور متلاحقة بعضها إثر بعض بما يحدث الآن في بعض هذه البلاد من فتن عظيمة وما قد يحدث من الفتن في بعضها الآخر؛ في موجة لم يسبق لها مثيل، وأصبحت الأوضاع صعبة، والفتن في الدين عظيمة ولا سيما مع الاستنفار الطائفي الذي يزداد يوماً بعد يوم، إضافة إلى الانفلات الأمني، والحروب الأهلية وانتشار الفوضى، وتربص الأعداء بنا مع الجهل والفقر والبطالة التي تُعد من الأسباب الرئيسة في حدوث هذه الفتن، وأصبحت تسمع في كل بلد تمر به هذه المصائب والفتن والابتلاءات. وشددت الدراسة على أنه لا مناص إلا العودة إلى الله - عز وجل - واللجوء إليه - سبحانه - بالتضرع والدعاء في رفع هذه المحن، فما إن تنقضي نازلة حتى تجيء فاجعة تطيش لها عقول المؤمنين وأفئدتهم؛ نوازل ينسى آخرها أولها، وتجعل الحلم حيران.
وحذرت الدراسة من أن الأمة الإسلامية أحاطت بها الخطوب من كل حدب وصوب، مجاعة وحروب طاحنة، وعدو متربص، وحقد دفين من الأعداء، فلا يريدون أن تقوم للإسلام قائمة، وإن مآسي المسلمين المتكررة، وهزائمهم المتلاحقة في هذه العصور المتأخرة إنما هي بسبب تهاونهم في دين الله، وترك بعضهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشيراً إلى أن كثرة المعاصي هي سبب كل عناء، وما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها، وما أصاب الناس من ضُر وضيق إلا بسببها، فهي مزيلة للنعم، وجالبة للنقم، ومؤدية إلى الهلاك والدمار، مشيرة إلى أن من أهم ما يستدفع به هذا الخضم المتلاطم من الفتن والنوازل الكبيرة بعد الإيمان بالله وشريعته هو الدعاء فهو السلاح الذي يستدفع به البلاء، ويُرد به شر القضاء، به تكون حياة القلوب، وتفريج الكروب، وإغاثة اللهفات، وتنزل الرحمات، والنصر على الأعداء، مؤكداً أن الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدافعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل.