كثيراً ما يعجز اللسان وتقف الكلمات حائرة، أن تترجم آهات القلب إلى حروف وجمل، ويشهد العقل بهذا العجز عندما تكتنف الإنسان لحظات يتجاوز فيها الألم نطاق التحمل والوعي..
رَحَلْتِ خَالَتِي الغالية.. ذلك الرحيل الذي أضنى الجميع... أبناءك، وبناتك، وزوجات أبنائك ومحبيك.. لتتذوق قلوبنا مرارة البعد.. وحُرقة الفقد..
لقد جاء مُعلِناً نهاية مُعاناة سنواتٍ عجاف مع المرض؛ حين تفاقم عليك منذ الشهر الخامس من عام 1426هـ؛ ففتكَ بجسدك الطيب، وأذاقك أصناف المعاناة؛ لتبدئي رحلة الذهاب والإياب؛ امتدت سبع سنواتٍ مقْفرات، بَيْنَ مَنْزِلُكِ العامر ومستشفى الملك خالد..
تفاصيلها لا تتجاوز حدود الألم والمعاناة.. لتنتهي بك -بإذن الله- راضيةً مرضية إلى جوار ربٍ جوادٍ كريم..
إنّ تلك المعاناة الطويلة التي تركت في ذواتنا ألماً عميقاً؛ لم تكن بالنسبةِ لكِ إلا استثماراً وفرصةً ثمينة، للصبر والاحتساب والرضا بما وعد الله به عباده المؤمنين: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
فكم قاسيتِ من هذا المرض العُضَال، وكم كابدتِ من مرارته وعلاجاته القاسية، وتعايشت مع حياةٍ تتكئ على أجهزةٍ للتنفس ومضادات لا تزيدك إلا ألماً.. ومع ذلك كله كُنتِ صَابِرَةً مُحْتَسِبةً مُتفَائِلةً بشُوشَةً راضيةً راجيةً ما عند الله -جل وعلا- من النعيم المقيم والثواب الجزيل..
بل لم تثنك تلك المعاناة والآلام عن المبادرة بنصح كل من توسمتِ حاجته إلى خبرتكِ العميقة الرصينة في شؤون الحياة عامة، والأسرة خاصة؛ فكم كنتِ مرشدتي ودليلي إلى الطريق الصحيح في تربيتي لأبنائي وتعاملي معهم، وأنا من يُصغي لمعرفة عنوانه..
أُبَشركِ خالتي بأن نصائحكِ وتوجيهاتكِ تلك -التي يعلم الله مدى استفادتي منها- هي أول شمعة أنارت لي طريقي في تربيتهم، وسأسيرُ على ضوئها -بإذن الله- حتى أصل إلى ما يرضي الله ورسوله..
خالتي الحبيبة.. فقيدة قلبي.. ماذا أقول في رثائك؟ وأنت لي نبع حنان ونهر دعاء لا ينضب..
أنا مؤمنة بقضاء الله -تعالى- وراضية به.. فالموت حق.. لكنها لوعة الفراق.. وحرقة الفقد، ولئن بكيت عليك فإنّما أبْكي دماثة الأخلاق وكياسة المؤمنة وروعة العطاء وصدق النصحية وصفاء السريرة..
وهانحن نذرف الدمع ونعتصر ألماً على فراقكِ.. مع أننا نعلم علم اليقين أنّ هذا لن يُغَير شيئاً من قدر الله.. ولن يُعِيدَكِ بَيْننا ثانيةً.. لكن.. لا نملك إلا نقول: إنّ العينَ لَتَدْمع وإنّ القلبَ لَيَحْزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. «إنّا للهِ وإنّا إِليهِ راجعون».. وصبرٌ جميل فَفِيه الدواء الناجع.. والله نسأل أن يُلهِمَنا الصّبْرَ والسلوان.. ويعظم لنا فيك الأجْر.. ويجْعلَ ما قدمته من خيرٍ وعطاء في ميزان حسناتك.. كما نسأله - سبحانه - أن يجعل ما أصابكِ من ألمٍ وسقمٍ مُكفراً لسيئاتكِ ورافعاً لدرجاتكِ وشفيعاً لكِ عند خالقكِ..
رحِمَكِ الله رحمةً واسعةً، وجمعنا بكِ - بعد حياة عامرة بالإيمان والطاعة - في جناتٍ ونهر.. في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
أسماء بنت محمد الوهيبي - زوجة ابنك