عندما بــــزغ نور الحق في مكة والمدينة، كانت الأمة الإسلامية أمة واحدة، تجمعها كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، ومن ثم كان مرتدون مرقوا من الدين، فقاتلهم الصحابة جميعاً، وبعد أن اتحدت الأمة الإسلامية على كلمة سواء، ظهرت حوادث ووقائع أخرجت معطيات جسدت المناهج الإسلامية المختلفة المشارب، واجتهد بعض الفقهاء داخل المذهب الواحد فتفرعت اجتهاداتهم في الفقه بشكل أساسي.
ومع التطور والانفتاح على العالم الآخر، والتعرف على علم المنطق أو ما يسمى بعلم الكلام وترجمته ونقله إلى اللغة العربية توسعت الفلسفة وأخذ كل يدلي بدلوه في هذا المجال، وكانت ملل ونحل كتب عنها السابقون عدداً من الكتب سواء في المشرق أو في المغرب العربي كما هو شأن ابن حزم الأندلسي.
لن نخوض في تلك الملل والنحل حتى لا نقع فيما نحاذر منه، وهو موضوع هذه العجالة. لأن التعمق في تلك الاختلافات وتجسيدها والميل إلى نهج دون آخر، لن يجدي نفعاً.
أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز لحوار المذاهب الإسلامية في الرياض، وهذه خطوة من خطوات مشتها المملكة منذ إنشائها في سبيل الرفع من شأن الإسلام، وجمع كلمة المسلمين فالمملكة قامت على أساس وقاعدة متمثلة في الدين الحنيف والعقيدة السمحة، ولهذا كانت هذه اللبنة المباركة إن شاء الله.
وطالما أن هذا المركز في مهده ولم يتجسد بعد، فمن المناسب أن تكون ركائزه الأساسية الاتفاق على ما يجمع بين المذاهب والعمل على تفعيلها وهي كثيرة وأساسية، وترك ما يختلف عليه، فمن نافلة القول إنه يكاد يستحيل إقناع طرف طرفٌ آخر بالتخلي عما ورثه وتبني وجهة النظر الأخرى، ولهذا فإن أخذ المتحاورون في الحديث عن مسائل خلافية فسيكون حواراً جدلياً قد لا يفضي إلى الغاية التي يطمح خادم الحرمين الشريفين الوصول إليها، وهي وحدة كلمة المسلمين.
إن في المناهج والمذاهب الكثير من أوجه الاتفاق، وفي ذلك يمكن التوافق، وبعد ذلك التوافق الرائع ستكون الخطوات اللاحقة، تقارب وجهات النظر فيما اختلف فيه على مدد طويلة وبأساليب لطيفة وهادئة.
وللوصول إلى هذه الغاية فقد يكون من المناسب أن يقوم على هذا الحوار من يزيل من ذهنه التعصب لمذهبه، واحترام المذاهب الأخرى، والبحث عن سبل الاتفاق وتجاوز الخلاف، ونحن نعلم أن مثل ذلك السلوك ليس بالسهل على الإنسان الذي لا يشك قيد أنملة في سلامة نهجه، وصحة طريقه، وحقيقة معتقده، غير أن السمو بالنفس في سبيل المصلحة الأعم للعالم الإسلامي أجمع، أجدى نفعاً، وأقرب لتأليف القلوب.
العالم في الأغلب تجاوز خلافاته في تعامله وإن ظلت قائمة في المذهب، فنحن نعلم أن في النصرانية مثلاً كاثوليك، وبروتستانت، وأرثوذكس، وحتى موحدين، وفي اليهودية من يؤمن بالتيه، ومن يؤمن ببعض التوارة، وحتى في الأفكار الفلسفية وتعاليمها مثل الطاوية والكونفشيوسية والبوذية.
من اليسير جداً لو أراد الإنسان أن يصل إلى التوافق إذا حسنت النية من جميع الأطراف، ومن المستحيل التوافق إذا كانت النيات غير سليمة، أو أن تضيق مساحات التوافق من خلال التعصب، وعدم اتساع الأفق.
نرجو من الله العلي القدير أن يتحقق ما يأمله خادم الحرمين الشريفين من هذا المركز، وأن تعود الأمة الإسلامية أمة واحدة تجتمع على الحق ونصرته، وأن تساهم مساهمة كبيرة في هذا التطور العظيم الذي يشهد العالم أجمع دون مساهمة كبيرة من عالمنا الإسلامي الذي يمثل 20% من قاطنيه.