(1)
قطعاً، نحتاج إلى فتوى “مباشرة” “عاجلة” من معالي وزير التجارة والصناعة الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، حيال مسألة أضحت إشكالية، وأنا أطرحها في هذا المقال أمام الملأ.
نحن نعلم أن أي وزير مسؤول بالدرجة الأولى عن تطبيق التشريعات المقرة التي تخص وزارته في سائر المجالات؛ ومن ثم فهو مطالب باتخاذ كل التدابير التي تضمن الالتزام بالتطبيق الصارم لتلك التشريعات، كما أنني أعلم أننا بتنا في المجتمع السعودي نمتلك هوامش جيدة تمكننا من التباحث والمساءلة إزاء ما يُعتقد أنه يمثل خرقاً للتشريعات والآليات النظامية المعتمدة. وهذا أمر إيجابي بلا شك، ونحن ننتظر تدعيمه بالممارسة العقلانية الرشيدة من الأطراف كافة.
(2)
وأنا على يقين بعلمك الرفيع ومهنيتك العالية، دكتور توفيق الربيعة مع التحية:
أجزم أنك تتفق معي في أن المملكة العربية السعودية من أكثر البلاد العربية التي تعتز باللغة العربية في منظومتها التشريعية، على نحو يضمن الحفاظ على العربية وصون “سيادتها اللغوية” في سائر الأمور والأعمال والمجالات، بما يتطلبه ذلك من مجابهة الممارسات الجائرة والانتهاكات اللغوية الثقافية التي قد تصدر من بعض الفئات كالتجار والمستثمرين مثلاً. ولكي أوضح جانباً من عناية المملكة في اللغة العربية في المنظومة التشريعية أشير إلى بعضها - وقد ذكرتها في مقال سابق:
1- نصت المادة الأولى للنظام الأساسي للحكم على أن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية وأن لغتها هي اللغة العربية. إذن لدينا مادة دستورية بهذا القدر من الوضوح والإلزام باللغة العربية، ولو لم يكن لدينا إلا تلك المادة الدستورية لكانت كافية وملزمة للجميع بشأن اللغة العربية، ولكن المشرع السعودي - ويحسب له ذلك - لم يكتف بذلك، بل راح يضع مواد تشريعية تفصيلية، كي لا يكون لأحد حجة واهية للتهرب أو التملص من الاستحقاقات اللغوية، وفي البنود التالية بيان لبعض المواد التشريعية التفصيلية في مجال الأسماء التجارية وما يلحق بها.
2- أصدر مجلس الوزراء الموقر قراراً حمل الرقم 133 في اليوم السابع من شهر شعبان للعام الهجري 1420هـ، وهو خاص بـ “نظام الأسماء التجارية”، وقد توج بمرسوم ملكي رقم م-15 الصادر بتاريخ 12-8-1420هـ. وقد نصت المادة الثالثة في نظام الأسماء التجارية على الآتي: “يجب أن يتكون الاسم التجاري من ألفاظ عربية، أو معربة، وألا يشتمل على كلمات أجنبية، ويستثنى من هذا الحكم أسماء الشركات الأجنبية المسجلة في الخارج، والشركات ذات الأسماء العالمية المشهورة، والشركات ذات رأس المال المشترك (المختلطة) التي يصدر بتحديدها قرار من وزير التجارة”.
3- وردت عديد من التشريعات التي تنص على وجوب استخدام اللغة العربية في مواضع تشريعية أخرى، ومن ذلك ما يلي: القرار الوزاري رقم (120) وتاريخ 16-1-1422هـ، وهو خاص بالأسماء التجارية في المكاتب المهنية، وقد تضمن في مادته الثالثة ما نصه: “أن يكون الاسم المبتكر من ألفاظ عربية, أو معربة, وألا يشتمل على كلمات أجنبية إلا في حالة وجود شريك مهني أجنبي في نفس التخصص”.
(3)
دكتور توفيق الربيعة مع المحبة:
كُتِبت عشرات المقالات التي تشير إلى وجود انتهاكات صارخة في مجالات عديدة ومنها المجالات التجارية والصناعية التي تخص وزارتك على وجه التحديد. أنا أدرك حجم انشغالك بالمهام الكبار، ولكنني أجزم أن مسألة وردت في المادة الأولى للنظام الأساسي للحكم ودعمت بتشريعات عديدة لهي ضمن تلك المهام الكبار التي يتوجب عليك الانشغال بها. قد تقول معالي الوزير أن تلك المقالات عامة، بمعنى أنها “لم تضع نقاط الأفكار على حروف الأفعال”، ومن ثم فلا تدري الوزارة بأي اتجاه تتحرك. وقد يكون هذا الكلام له قدر من الوجاهة، ولهذا فإنني رأيت أن أضع بعضاً من تلك النقاط على حروف ممارسات جائرة بحق اللغة العربية، أو هكذا أتوهم أنا ويتوهم غيري من المهمومين بالضاد وهم كثر، كثرهم الله وثمّر نضالهم اللغوي. ومن أجل هذا أدرجت في عنوان المقال “الاستفتاء” منك مباشرة، إذ إنك قد توضح لنا أننا متوهمون فعلاً، أو أننا على حق، ومن ثم فالوزارة مطالبة باتخاذ أعلى التدابير لتصحيح الأوضاع بشكل حاسم وعاجل، وتحت إشرافك شخصياً، بما يليق بالمسألة اللغوية.
(4)
دكتور توفيق مع التقدير:
نحن نرى انتهاكات عديدة وتهديدات متزايدة للسيادة اللغوية للضاد في مجال الأعمال والتجارة في المملكة، وهي كثيرة جداً، ومن تلك الانتهاكات إقرار أسماء أعجمية للمؤسسات والشركات. أنا أعتقد أن تلك الممارسات غير قانونية ومن ثم فعلى الوزارة أن توقفها وتصحح الأوضاع بقوة النظام وعلى نحو سريع. فهل أنا مخطئ معالي الوزير؟ دعني أضرب لك أمثلة واقعية، وأنا هنا في موضع الاستفتاء منك، وأنت المفتي في هذه المسألة ولا أحد سواك:
في مدينتي - بريدة - هنالك أسماء أعجمية كثيرة لمؤسسات ومحلات، وهي ليست فروعاً لشركات أجنبية كما أعتقد، وهي ظاهرة متزايدة، ولعلي ألتقط أربعة أسماء موجودة في شارع واحد في بريدة، وذلك للتمثيل والإيضاح فقط، وإلا فهي كثيرة جداً، وفي مختلف المناطق والمدن وخاصة الكبيرة منها:
1- هنالك مطعم باسم “بيور” وقد وضع في اللوحة ما يلي: .Pure Sea Food
2- وثمة مطعم آخر باسم “مليكون”، وقد كتب أيضاً بحروف أعجمية، هكذا: Melicon.
3- وجدت محلاً للحلويات باسم Sheed مع وضع الاسم بحروف عربية، هكذا: “شيد”.
4- كما وقعت عيناي على محل آخر للحلويات باسم “بوفارديا”.
د. توفيق: سؤالي لك واضح:
هل هذه ممارسات مقبولة من الناحية القانونية؟ أم لا؟ وماذا يجب على الوزارة فعله في حالات كهذه؟ وماذا يجب علينا نحن فعله؟
(5)
ومن الممارسات المجحفة في حق اللغة العربية - في رأيي - أن بعض المؤسسات والشركات تتوجه بشكل مخيف لاستخدام أسماء أعجمية لمنتجاتها والدعاية والإعلان، وعلى رأسها شركات الاتصالات، وكتابة تلك الأسماء الأعجمية بحروف عربية، ما يعني إقحامها في البناء اللغوي للضاد ومحاولة إكراهها على تجرعها وهضمها بشكل جائر، فليست ثمة أدنى حاجة لاستخدام تلك الكلمات الأعجمية، فنحن لا نتحدث هنا عن مخترعات جديدة تفرض أسماءها علينا، لنقول إنها لغة القوي الذي يصنع ويخترع، وما لنا حيلة سوى قبولها بكيانها وأسمائها، كما أننا لا نحكي عن مصطلحات علمية أعيتنا تعقيداتها عن ترجمتها أو تعريبها بطريقة مقننة، وإنما نتحدث عن “مجرد” خدمات عادية تقدمها شركات الاتصالات وتختار لها عن قصد اسماً أعجمياً، فمثلاً عندما تطرح شركة اتصالات ما - على سبيل المثال- “شريحة صغيرة أو مصغرة للمحمول”، ففي تلك الحالة نجد أنهم يسمونها Mini، ويتجرؤون ويكتبونها بحروف عربية، هكذا “ميني”، وهي كلمة إنجليزية تفيد معنى “الصغر”، وبهذه الممارسة المنكرة فإنهم يُقحمون هذا الكلمة الأعجمية “ميني” في جسد اللغة ويدفعون المئات منا لنطقها واستخدامها عوض استخدامنا لكلمة “صغيرة” أو “مصغرة”؟ ويتكاثر استخدامها في حياتنا وفي وسائط الإعلام القديم والجديد معاً، حتى تغلب وتسيطر على الأدمغة والألسن، ونحن بطبيعة الحال إزاء مئات الكلمات الأعجمية التي يتم حقنها في أدمغتنا وألسنتنا دونما حاجة، فماذا عسانا نستفيد بل أي ضرر يلحق بنا من جراء مثل هذه الممارسات التي أعدها انتهاكات للتشريعات ومعاندة صريحة للأهداف الكبرى المتوخاة للحفاظ على السيادة اللغوية للضاد في أرض العرب ومنبت الإسلام. فما رأي الدكتور توفيق الربيعة؟
(6)
التهديدات للغة العربية متنامية وهي تنذر بأخطار مخيفة، وليس غريباً قولنا إن جزءاً كبيراً من تلك التهديدات له علاقة مباشرة بالأعمال والتجارة، الأمر الذي يبين عظم المسؤولية الملقاة على عاتق وزارة التجارة والصناعة على وجه التحديد. وأعيد التذكير بأن وزير التجارة والصناعة مسؤول عن تطبيق التشريعات التي تخص اللغة العربية في مجال الأعمال والتجارة والصناعة، وها أنا ذا أتطارح مع الوزير في الهواء الطلق وأستفتيه أمام الرأي العام - ومجلس الشورى طبعاً!- في مسائل تخص وزارته وما كُلف به، بل تتعلق بلغة أشاد الحق تبارك وتعالى بعلو شأنها في نقل الدلالة المقدسة: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 192-195].
beraidi2@yahoo.com