من يقرأ الخبر الصحفي، وتصريح وزير الصحة حوله، عن كراسي الغسيل الكلوي التي تم اكتشاف فساد بها وعدم صلاحيتها، وقبل ذلك عدداً من الجهات الخدمة التي تعترف على مضض، بفساد أدوات أو أجهزة أو محركات، أو فشل مشروعات تنموية تم استلامها وتدشينها، يشعر بالأسف على ما يحدث، ويفكّر لماذا يحدث كل هذا؟ هل من قوانين وتشريعات واضحة، وتطبيقات صارمة لها دون مجاملات لمن قام بهذا الفعل أو ذاك؟ فهل يعقل ألا تتضمن تشريعات وأنظمة التوريد الحكومي فقرة بديهية تشترط ألا يكون المورد موظفا سابقا في الجهة ذاتها؟
حينما نقرأ خيوط هذه الحادثة أو غيرها من فشل بعض المشروعات والأجهزة المستوردة، بدءاً من إقرار المواصفات المطلوبة، وحتى طرح المناقصة الحكومية التي تتطلب شفافية وأمانة في التعامل مع الموردين والمقاولين، ومن ثم إرساء المناقصة على أحدهم، والتدقيق بمدى مطابقة المواصفات قبل الاستلام، نكتشف أن الأمور تدار باحتراف وخبرة خطيرة في الالتفاف على النظام والقانون، هناك من هو قادر على عدم ترك أي أثر لخطوات إخلاله بالنظام، فضلاً عن وجود ثغرات كثيرة في نظام المشتريات الحكومية نفسه.
أعتقد أن هيئة مكافحة الفساد تحتاج إلى كوادر وطنية مخلصة وشغوفة بالعمل، قبل أن يكون هؤلاء مجرد موظفين يستلمون رواتبهم آخر الشهر، فمثل قضية فساد كراسي الغسيل الكلوي، أو فساد القطارات التي عملت لشهر واحد بين الدمام والرياض، ثم ظهرت فيها أعطال جوهرية جعلتها غير صالحة للعمل، وغيرها من القضايا التي تناولتها الصحافة المحلية، لابد أن يتم تحديد لجان عمل في هيئة مكافحة الفساد تتولى متابعة كل قضية على حدة، والتصريح بكل شفافية لوسائل الإعلام بما تم في شأنها، إلى أن تنتهي القضية بالإجراء القانوني المتخذ حيالها، أما أن تتداول الصحافة مثل هذه القضايا، ثم تُحفظ ملفاتها أو يتم إهمالها، رغم تأثيرها المباشر على المواطن، فهو أمر سيجعل الفساد يجد له تربة خصبة وغنية.
في الدول المتقدمة، حينما تظهر مثل هذه القضايا، لا ينكرها المسؤول، بل لا يهدأ له بال حتى يصل إلى المتسبب ويعاقبه، ويعلن ذلك، بل تجد أحياناً من يعالج ضميره بأن يستقيل من منصبه، كأبسط وأقل اعتذار يقدمه لمن أساء إليهم، وهو تصرف حضاري مقبول.
قبل أسبوع لم يجد مدير مستشفى بحائل حرجاً بأن يعلن أمام زملائه في حفل المعايدة بتقديم استقالته من العمل، رغم إشادة البعض من أهالي المنطقة بقدراته الإدارية، لكنه أمام خطأ طبي حدث في المستشفى، رغم كثرة الأخطاء الطبية التي تحدث في معظم المستشفيات، وأمام عجزه عن تحقيق بعض متطلبات المستشفى لعدم تعاون مديرية الشؤون الصحية معه، وجد نفسه أمام موقف يلزمه بأن يتصرف بمسؤولية، فأقدم على الاستقالة في إشارة واضحة منه على عدم الرضا على ما يحدث في القطاع الصحي.
لا يعني ذلك أن على كل من يخطئ بأن يستقيل من عمله، لكن علينا أن نعترف بأخطائنا أولاً، وأن نبادر إلى معالجتها فوراً، علينا أن نتتبع الفساد أينما وجد، ونقلّم أظفاره، بل نقطع أصابعه بأكملها، كي لا نغرق جميعاً في (فساد الكراسي)!