الدخول إلى السجن بقدميك له رهبته حتى لو كان ذلك (لأغراض إعلامية)، كان لابد من انتظار (الشيخ) ليرافقنا إلى داخل (مملكة النساء المخيفة) خلف تلك القضبان..!.
لا صوت يعلو صوتها، إنها (آمرة السجن) وضابطة إيقاعه التي قضت نحو (26 عاماً) من عمرها في هذه المهنة، فبعد الانتهاء من الإجراءات في (الإدارة الرجالية) للسجن انتقلنا إلى باب (سجن النساء) الذي لا يفتح إلاّ بأمرها، حيث لا ثمة شاردة ولا واردة تتم دون علمها، احتجنا (بضع دقائق) ليُسمح لي وفريق (التصوير التلفزيوني) بالدخول برفقة ضابط و(داعية السجن).. المشهد مهيب من الداخل !!.
إنها (المرة الأولى) التي أرى فيها نساء يقضين العقوبة وهنّ يتحلّين (بأساور من حديد) عوضاً عن الذهب الذي كنّ يرتدينه في الخارج، لكلٍّ منهنّ حكاية وقصة تحمل في طيّاتها الكثير من (الدروس والعِبَر) التي تهم كلّ (امرأة) تعيش وتستنشق الحرية خارج هذا المكان..!.
ما يميِّز الحياة هنا هي الدِّقة المتناهية في التعاطي مع الوقت، الاستيقاظ والأكل بنظام (عالم آخر) رغم ضيق المكان فيه إلاّ أنّ (رحابة صدور) هؤلاء النسوة فيما بينهنّ بها ما لا تتسع له الدنيا بكبرها، عالم تديره (سعوديات) اكتسبن الخبرة لسنوات طويلة..!.
هذه (قاعة محاضرات) تقام فيها دروس لعشرات النزيلات وبمختلف اللغات، وهذا قسم آخر فيه أخريات يتدرَّبن ويتعلّمن على (علوم الحاسب الآلي) بإشراف متخصِّصات (يدخلن للسجن) لهذا الغرض, لمحت بعض السجينات يعبِّرن عن ما يجول (بدواخلهنّ) بأطراف أناملهنّ لتختصر تلك الرسائل والأسطر على (الشاشات) مجلدات من الهموم والحزن تعكس بامتياز حجم معاناة (ساعات وأيام طوال) تمر (ببطء شديد) على الساكنات هنا..!.
ما الفائدة من التعلُّم خلف القضبان ؟! قلنَ لي: إنها (لحظات تعبير) لا تتاح إلاّ للملتزمات بتعاليم وقوانين السجن، على أمل أن نجد فرصة للتغير..!.
إعادة التأهيل هذه امتدت (لمعمل مجاور) خُصِّص للمهارات الفنية والإبداعية والخياطة والرسم والنحت، لصقل مواهب النزيلات وتهذيب نفوسهنّ بالأعمال الجمالية، وإكسابهن مهارة قد تقي من (عثرات المجتمع) بعد الخروج من عالم السجن..!.
عالم (مجهول) ستكشف لنا خيوطه وأسراره السيدة الأربعينية (أم خالد) التي عادت للسجن (مرات عدّة)، بعد أن عرفته (المرة الأولى) على يد (صديقة سوء) استغلّت حاجتها وعجزها عن سداد (فاتورة كهرباء) لم تتجاوز (مئات الريالات)..!.
بصمات (السجينة الأولى) غداً .. لعلَّنا نعتبر؟!.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.netfj.sa@hotmail.com