|
لا أنسى ما كانت جدتي رحمها الله تعالى تمارسه معنا، حينما نتجاوز في سلوكياتنا حداً معيناً في الشقاوة الطفولية، ونثير غضبها.. حيث تخوفنا بذلك الشبح الكبير الذي سيلتهمنا حسب ظننا أو كما هي تشعرنا به تقول: بتجيكم (أم السعف والليف)، وحينها نرتعب خوفاً وجزعاً ..!!
و»أم السعف والليف» أو كما تُسمى أحياناً (أم الخضر والليف) رمزية تطلق على النخلة كونها تتكون من ليف وسعف أخضر اللون، والسعف والليف من ضمن مكوناتها الأساسية، وهذه ليست بمعلومة جديدة أضيفها هنا، ولكن من أجل إيضاح هذه الرمزية، والتي خرجت من إطارها الأساس وذهبت إلى إطار آخر، وهو إطار الخرافة والحكاية الخيالية، والخرافة حسب فهمي لها هي اعتقاد أو فكرة تعتمد على تخيلات وعادة ما ترتبط بتراث الشعوب وماضيهم وهي تتمثل في عدة اتجاهات، والتي عادة ما تتداول بين الناس من أجل أغراض عديدة كالفكاهة والتسلية والنصب والاحتيال، وكذلك إزالة بعض المخاوف أو إيجادها، أي وجود التناقض في الاستخدام، وهذه فلسفة أعتمد عليها الناس منذ القدم في مجتمعنا وفي كل المجتمعات مما يدل على وجود ثقافة قديمة وسائدة أيضاً.. وليس «أم السعف والليف» من خرافاتنا بل نقول من أولويات تراثنا وأدبياتنا، وهذا دليل واضح لإبراز دور النخلة وعمق أصالتها وعلو مكانتها في مجتمعنا، فهي تشكل أصالة كبيرة في تراثنا وتاريخنا، فالنخلة تشكل معظم أبجديات ثقافتنا وحضارتنا..
وجملة «أم السعف والليف» ثنائية الاستخدام في وقت واحد؛ تستخدم كوسيلة في تهذيب سلوكيات الأطفال حينما يتجاوزون حدا معيناً من السلوك الخاطئ، وفي الوقت نفسه تحفيز وإيجاد ملكة التفكير لديهم؛ سلاح يستخدم في تخويف الطفل وتحفيزه على التفكير في هذا الشبح ربما القادم إليه.
وأنا هنا أجد أن هذه الـ»أم السعف والليف» من التراث والتي لها دور كبير في تأصيل ثقافتنا الحالية وعمقها وربطها بالماضي، وأختلف كثيراً مع من يقول إنها سخافات لا وجود لها في التراث ولا تخدمه وأنها سلبية الفائدة، بل على العكس تماماً، فوجودها وتداولها يعطي بُعداً ثقافياً وأسطورياً كما لـ«ألف ليلة وليلة» كونه يُعد أدبيا وثقافيا وتراثيا، وكذلك لـ «كليلة ودمنة» مع مراعاة الاختلاف في الزمان والمكان وطبيعة الاستخدام، ومع هذا أو ذاك تبقى المفردة التراثية لها وزن وقيمة كبيرة لا تضاهى.!
Albatran151@gmail.com