بالنسبة للكثيرين هنا، يبدو غريبا، أن يفقد اللبناني المبهر والمنفتح بريقه باستمرار، ويصبح ذاك القادر على ممارسة الحرية والوعي -كما يظهر لنا على الأقل- عاجزاًً، بل داعماً لنظام يقتل دون رحمة شعب.
وفي أحسن الحالات أصبح من يبيع الكلام يستأجر الصمت كما لم يفعل من قبل، وتحديداً مع زهايمر لبناني عام.. بفعل التاريخ أو الخوف، لا يهم..
ذاكرة التاريخ تحوي الكثير من الحقائق عن الإجرام الأسدي بحق لبنان وشعبه وأمنه، فالنظام -البعثي- لم يعترف يوماً بكيان هذا البلد، ولا بهويته ووجوده، فاسترخصه قتلا وتشريداً، وقائمة الجرائم طويلة ومرعبة.
دخلت سوريا إلى لبنان في العقد السابع من القرن الماضي، تحت عناوين كبيرة، وطنية وقومية -كما صورت-، ولدوافع سورية آنية وإستراتيجية، تحت نظر العالم وقواه.
“سوريا ولبنان عبر التاريخ بلد واحد، وشعب واحد، وهذا الأمر يجب أن يدركه الجميع”... قال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في 1976 مبرراً احتلال قواته للبنان..!
في سنة 1995، قال جدعون رافايل الذي كان سفيراً لإسرائيل في بريطانيا آنذاك: وعدنا الملك حسين باسم الرئيس السوري حافظ الأسد أن الجيش السوري لن ينتشر في جنوب لبنان ولن يقترب من الحدود مع إسرائيل وأنه سيعمل على ضبط كل الجماعات الفلسطينية المسلحة التي قد تفكر بشن عمليات على شمال إسرائيل”.
وأضاف: “إن الرئيس السوري حافظ الأسد تعهد لرئيس وزراء إسرائيل أن العملية السورية كانت فقط ضد منظمة التحرير الفلسطينية وأنه سينسحب فور عودة الهدوء”، طبعا بعد ذلك كله لا تزال كذبة المقاومة تسوق غير ذلك!
أيضاً، القوات السورية والاستخبارات داهمت باستمرار مكاتب صحف “المحرر” و”بيروت” و”الدستور” وأخرجت المحررين والعمال واعتدت على بعضهم واحتلت المكاتب والمطابع,... داهمت مكاتب صحيفة “السفير” واحتلت مكاتب “النهار”.
وبرر نائب وزير الدفاع السوري اللواء ناجي جميل احتلال مكاتب الصحف اللبنانية بأن هذه الصحف “تروج لدعاية صهيونية معادية”!
والحقيقة أنه منذ ذلك الاحتلال والعبث بالصحافة، ما زال النظام السوري بدرجات متفاوتة قادر على توجيه وإسكات هذا الإعلام عبر التهديد، فقد سبق وأن قام باغتيال قيادات إعلامية بدم بارد، وتحديداً تلك الأصوات التي ظلت تبحث عن الاستقلال وحرية الصحافة في بلدها!
أكثر من 4 عقود وسوريا هي الحاكم الفعلي للبنان، عن طريق القوة والتهديد والقتل، فالنظام الأسدي مسؤول عن قتل قائمة طويلة من الرموز اللبنانية السياسية، والراحل رفيق الحريري دفع حياته ثمناً من أجل البحث عن استقلال القرار اللبناني.
اليوم تبدو لبنان وما تمر به من احتمالات تفجير الوضع بين مؤيدي وحلفاء نظام بشار ومن يقفون مع -الثورة- المواطن السوري، هو صورة مصغرة لما يحدث داخل سوريا، الغائب هنا -كالعادة- هي الدولة اللبنانية المركزية، لذا تتولى الأحزاب والعوائل النافذة والمسلحة مهمة التشبيح بالنيابة عن ميلشيات الأسد.. من أجل إسكات لبنان أو تفجيره مرة أخرى.