* يراهن خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبدالعزيز -حفظه الله- على الحوار كوسيلة للتقارب والتفاهم بين مختلف الأطياف المذهبية والفكرية، بهدف الخروج برؤى مشتركة بين الأطراف المتحاورة كافة.
* هذه صورة شفافة مبسطة؛ يمكن أن يصل إليها كل متابع لجهود وإنجازات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- على مدى الأعوام العشرة الفارطة، سواء كان ذلك على الصعيد المحلي، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، فخادم الحرمين -رعاه الله- أمر بإنشاء (مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني) في (24 جمادى الأولى 1424هـ) بالعاصمة الرياض، ثم انطلق المركز في عقد لقاءات فكرية وورش عمل حوارية كثيرة؛ شملت كل المدن السعودية تقريباً، وضمت إليها عدداً كبيراً من الفرقاء في الوطن الواحد من المذاهب والمناطق والتيارات الفكرية كافة، بهدف تكريس الوحدة الوطنية، في إطار العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف، والمساهمة في صياغة خطاب إسلامي بناء، مبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها، من خلال الحوار البناء، فصدر عن هذه الجولات الحوارية للمركز؛ العديد من التوصيات المهمة، التي أذابت الكثير من الجليد الذي كان يحول بين السني والشيعي، وبين الجنوبي والشمالي، والشرقي والغربي، وشهد لها البعيد قبل القريب، بالنجاعة والنجاحة،.
* لم تقف جهود أبي متعب عند هذا الحد من تذويب الفوارق وتعميق الوحدة الوطنية، لقد واصل إنجازاته في هذا الاتجاه، وبالعقلية المنفتحة ذاتها، في لقاءات ومؤتمرات تجمع بين أصحاب الأديان السماوية كافة، إلى أن وصل قطار خادم الحرمين الشريفين الحواري مؤخراً؛ إلى العواصم الإسلامية كافة، عربية وغير عربية، فكانت استضافة المملكة للقمة الإسلامية الاستثنائية في أواخر رمضان في مكة المكرمة، مكرِّسة للفهم المتعقل لعبد الله بن عبد العزيز، في ضرورة إيجاد صيغة توافقية بين المذاهب الإسلامية، تقوم على الحوار والنقاش والتفاهم، بديلاً للقذف والاتهامات المتبادلة، والشحن البغيض الممارس بشكل يومي بين رموز من هذا المذهب أو ذاك.
* إن هذه التجربة الحضارية في المجادلة الحسنة والحوار؛ التي أرسى قواعدها الملك المفدى -حفظه الله- في المملكة قبل عقد من الزمان، وأتت الكثير من أكلها حتى اليوم، هي المنطلق الذي سوف يقوم عليه (مركز الحوار الإسلامي المذهبي)، الذي اقترحه الملك عبد الله بن عبد العزيز في مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة، في أواخر شهر رمضان الفارط، وتمت الموافقة على إنشائه وتأسيسه بالعاصمة السعودية الرياض.
* بالإضافة إلى القسمين الكبيرين اللذين يتمحور حولهما جموع المسلمين في قارات العالم اليوم، من سنة وشيعة، فإن تفريعات مذهبية أخرى يمكن أن تصبح في صلب الحوار في أشغال المركز القادم، وفق ما توصل إليه مؤتمر سابق في مكة المكرمة في هذا الشأن، إذ اعترف بستة مذاهب إسلامية في المشهد الإسلامي، فالحوار هو سبيل المسلمين الوحيد اليوم، لتوحيد كلمتهم، وتقوية صفوفهم، في مواجهة قوى تتربص بهم، وتحيك ضدهم الكثير من المؤامرات والمخططات التي تستهدف عقيدتهم الدينية، وتهدد وجودهم، وتستنزف قواهم وخيرات بلدانهم.
* قال عبد الله بن عبد العزيز -نصره الله- في خطابه أمام قادة العالم الإسلامي بمكة مؤخراً: (إن أقمنا العدل هزمنا الظلم، وإن انتصرنا للوسطية؛ قهرنا الغلو، وإن نبذنا التفرق؛ حفظنا وحدتنا وقوتنا وعزمنا).
* وقال كذلك حفظه الله: (إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم؛ حالة من الفتنة والتفرق، والتي تسيل بسببها دماء أبنائها في هذا الشهر الكريم؛ في أرجاء كثيرة من عالمنا الإسلامي، متناسين قول الحق تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}.. الحل الأمثل لكل ما ذكرت؛ لا يكون إلا بالتضامن، والتسامح، والاعتدال، والوقوف صفاً واحداً أمام كل من يحاول المساس بديننا ووحدتنا).
* هذه إذن.. هي الأسس التي يقوم عليها (مركز حوار المذاهب الإسلامية)، الذي تقيمه وتستضيفه المملكة العربية السعودية بالعاصمة الرياض، بعد أن وافقت القمة الإسلامية على إنشائه: (إقامة العدل؛ من أجل هزيمة الظلم.. والانتصار للوسطية؛ من أجل قهر الغلو.. ونبذ التفرق؛ من أجل حفظ الوحدة والقوة والعزم).
* إذا صدقت النوايا في اتجاه حوار مذهبي حضاري، وأخلص الجميع للمبادئ الذي أرساها عبد الله بن عبد العزيز في دعوته لإنشاء مركز الحوار بين المذاهب الإسلامية.. إذا تحقق ذلك، فسوف يجني عالمنا الإسلامي مكاسب كثيرة على صُعد شتى، يأتي في مقدمتها الخطاب الديني، الذي تحول في سنواتنا هذه؛ إلا ردح متبادل بين المتمذهبين، وأصبح وسيلة للتسييس والتجييش والتكريه، إلى درجة لا تطاق، وإذا حصلنا على خطاب ديني معتدل، فسوف نصل بعون الله إلى توافقات معقولة، وإلى حلول ناجعة لكثير من مشكلاتنا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وإذا أصبحنا في مستوى من هذا القبيل الحي، فإن صلاتنا بالعالم الآخر؛ سوف تتغير إلى الندية لا التبعية، ويصبح من العسير على أعدائنا، اختراق صفوفنا من نقاط ضعف هي اليوم مفتوحة للكل، ومن أبرزها بطبيعة الحال، التناحر المذهبي بين فصيلي السنة والشيعة، وما يستتبع ذلك من خلافات وتشنجات بين مذاهب وطوائف متفرعة من السنة أو الشيعة.
* استطاع الشاعر الجزائري (دواق سليمان)، تصوير واقع حال المسلمين اليوم؛ فهل يتبدل الحال بحال أجمل وأفضل في المستقبل:
أنّى التفتّ.. وجدت القوم في عركٍ
كأن لم يكن يوما لهم رحمُ
تناحر وصراع طال كُل مدى
هل إنه قدرٌ، حتم وملتزمُ؟
ما السر في الخلق؟ هل وعي به قصر؟
أم أنها وحدة تطبيقها جرمُ؟
الكل يدرك مغزى وحدة وجبت
لأنها أصل دين الله معتصمُ
لكن.. إيماننا بالله ينقصه
إخلاص قصد؛ وحب فيه ملتحمُ
فلا غرابة إن ذابت أواصرنا
أو قاتل البعض بعضاً، واستبيح دمُ
لا خير في وحدة إن كان واقعها
حبر على ورق، يشدو بها نغمُ
بل لا سبيل إليها و(الأنا) مرضٌ
مستفحل لشغاف النفس مخترمُ
ولا سبيل إليها طالما عشقت
بعض النفوس عروشاً حولها حومُ
ولا سبيل إليها والعدو له
مخطط يقتضي تشتيتنا أممُ
* اللهم اجمع شتات المسلمين؛ واجعلهم أمة واحدة، لا أمماً متعددة.
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com(*) باحث وكاتب- صاحب منتدى السالمي الثقافي