الحـركـات التكفيرية التي تتنقـّب بكل الأديان، وترفع، عملا وقولا، شعار” من ليس معنا، فهو ضدنا”، هي حركات تقوم أيديولوجيتها على “ فصل الدين عن الثقافة “، فصلا جذريا.
المتأسلمون، مثلا، يُقاومون، بضراوة، الثقافة الوطنية لشعوبهم (النشيد الوطني والعلم الوطني والمناسبات الوطنية)، تماما مثلما يُقاومون الإسلام الصافي الفطري، ولهم نظرة تكفيرية رافضة إلى الرواية والشعر والموسيقى.
يتجلى ذلك، بوضوح أيضا، عند الإنجيلية البروتستانتية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا عند فريق كبير من الحاخامات اليهود المُتجهمين في إسرائيل.
أكاد أذهب إلى القول هنا إن الحركات التكفيرية تتماهى، من حيث لا تدري، مع العولمة، التي تعمل بدورها على فك الارتباط بين الإنسان المُعولم وثقافته الوطنية، أو مسخ هذه الثقافة. وإن كنا نلاحظ، بفعل الغباء العقلي المكتسب، أن الحركات التكفيرية، جميعا، ترفع عقيرتها لمحاربة العولمة، دون أن تعي معنى موقفها هذا.
إن مؤيدي الحركات التكفيرية، التي كان من الطبيعي أن تتطور إلى حركات إرهابية شرسة، هم أشخاص غير مثقفين، وما تبنّيهم للتفكير الإرهابي إلا نتيجة انعدام ثقافتهم. ومن البدهي، بالتالي، أن يكون هؤلاء ضد الثقافة، لأنهم ـ أصلا ـ يشعرون بانعدام كلي في الجذور. من هنا نلاحظ أن إرهابهم غاية لا وسيلة.
هل يعرف أحد ما هي مطالب تنظيم “ القاعدة” بالعمليات الإرهابية التي نفذها؟.
تنظيم “ القاعدة” ليس تنظيما دينيا، لأن أي تنظيم ديني هو ثقافي بالبداهة.
إن أهداف بن لادن والظواهري هي نفسها أهداف الحركات اليسارية المتطرفة للإمبريالية في الستينيات والسبعينيات. لذلك لا يمكن اعتبار تنظيم “ القاعدة” تنظيما دينيا، لأنه لا يناضل، ثقافيا، في العمق، ضد حركة دينية أخرى.
تنظيم بن لادن والظاهري، أو أبو مصعب الزرقاوي، لم يهاجم أو يضرب ـ مثلا ـ معاقل المعابد اليهودية في فلسطين المحتلة، ولم ينسف كنيسة مار بطرس في روما، أو حاضرة الفاتيكان، أو أي كنائس أو معابد أخرى. إنه ضرب وهاجم مبنيي التجارة العالمية في نيويورك والبنتاغون في واشنطن العاصمة. واستعرض في بياناته الدموية، تهديدات بقصف البيت الأبيض، لا مباني الكنائس الإنجيلية البروتستانتية، التي ينتمي إليها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن، ومعظم الأمريكيين.
أهداف تنظيم “ القاعدة”، إذن، هي الأهداف التقليدية نفسها لليسار الماركسي المتطرف، الذي انكشفت عوراته في الأمية، ومحاربته الشرسة لكل ما هو ثقافي أو فكري أو وطني.
Zuhdi.alfateh@gmail.comفيينا