شهدت الأشهر الأخيرة وبخاصة في الولايات المتحدة عدداً كبيراً من الحوادث العنصرية المتفرقة التي قام بها يمينيون متطرفون ضد العديد من المسلمين أو أماكن عبادتهم في مدن متفرقة من أمريكا وفي السبعة أيام الأخيرة فقط من هذا الشهر حدثت العديد من الحوادث المتفرقة في عدد من المدن الأمريكية..
سواء من حيث الاعتداء على المصلين أو محاولة حرق أماكن العبادة أو الإساءة إلى قبور المسلمين وتهديد عيشهم مثل إلقاء علبة أسيد على مدرسة للمسلمين خلال لعب الأطفال في الساحة الخارجية أو محاولة حرق مسجد أو إلقاء عبوات على آخر وهكذا.
وقد قام الكثير من الكتاب والمدافعين عن الحريات العامة والدينية سواء في داخل أمريكا أو خارجها بتتبع هذه الحوادث ومحاولة إظهارها لإيقافها قبل أن تتحول إلى حروب بغيضة لا تحتاجها الإنسانية الآن في ظل كل هذه التوترات الثقافية والدينية والعرقية التي ينوء بها عالمنا.
ويعرف الإسلام فوبيا في أبسط صوره بأنه التحيز ضد الإسلام والمسلمين والرفض غير العقلاني للإسلام وهو الأمر الذي اشتدت حدته بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للأسف (كم دفعنا ثمنا غاليا لحماقات أسامة بن لادن. فليته وأتباعه يعرفون!!).
لماذا أطرح أنا على وجه التحديد هذا الموضوع الآن؟
أولاً لأنه يحدث اليوم بكثافة غير معهودة والحوادث الكثيرة التي يكتب عنها في الصحافة العالمية تضطرك للتوقف والتفكير. هل كل هذه الحوادث المتكررة في عدد من الولايات ضد مسلمين أو أماكن عبادتهم وقبورهم هي مجرد حوادث فردية منفصلة أم أننا يجب أن نضعها في قالب آخر حتى يمكن فهمها ضمن سياقها التاريخي وفي ظل الحركة اليمينية المتطرفة التي تجتاح الغرب اليوم؟
ثانياً: إن الأسس التي قامت عليها الولايات المتحدة وهي حرية المعتقد وحرية حمل السلاح وهي في صلب الدستور الأمريكي كلاهما اليوم يتم تهديدهم بوجود هذا التيار المخيف المتطرف ضد معتنقي الديانات المختلفة من غير المسيحيين مثل المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، كما أنه يهدد فكرة وجود الولايات المتحدة نفسها التي بنت أحد أسس وجودها على مبدأين: أولهما الدفاع عن الحريات الشخصية والثاني محاربة الاضطهاد الديني الذي هاجر بسببه مئات الآلاف من الأوربيين الذين بنوا ما نعرفه بأمريكا اليوم.
ويبدو أن تراخي الكثير من الديمقراطيين الموالين للحكومة الحالية عن المناداة صراحة بمحاربة ظاهرة الإسلام فوبيا هي التي دفعت أصواتا مقيتة ليمينيين متطرفين أمثال جو ويلش وروبرت سبنسر وباميلا جيلر للظهور بهذا الشكل المخزي (لنتذكر هذه الأسماء المعادية لنا جيداً ونقرأ عنها ونفهم فكرها لأننا نحتاج أن نكون منظمين في ردنا عليهم وفهم حججهم والتعرف على طرقهم في نشر هذا التيار الذي لا يهدد المسلمين في أمريكا فقط بل يهدد فكرة السلام العالمي ككل).
وفي إحصائية نشرها مركز الدراسات الوطني لمحاربة الإرهاب في جامعة ميريلاند اتضح أنه ومنذ حادثة الحادي عشر من سبتمبر المقيتة وحتى 2012 كانت هناك 115 حادثة إرهابية في أمريكا ولم يكن للإسلاميين نصيب منها سوى 1.3% أي أن معظم حوادث القتل أو الترويع التي شهدتها بعض الولايات حدثت من جماعات مختلفة داخل الولايات المتحدة ولأهداف سياسية أو ثقافية خاصة بمجتمعهم مثل جماعات محاربة الإجهاض أو جماعات حماية الحيوانات أو جماعات الخضر من المدافعين عن البيئة الخ من القضايا المحلية التي لم يكن للمسلمين يد فيها.
ما هو دور المسلمين للوقوف ضد تيار عنصري ومناهض لحركة التاريخ والحضارة الإنسانية كهذا التيار العنصري؟
أولها: بلا شك دعمنا الصريح أفرادا وجماعات لما يحاول الملك عبدالله أن يفعله ومنذ توليه دفة الحكم وهو التقريب بين المختلفين سواء ما فعله عبر مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أو ما يفعله اليوم من إنشاء مركز للحوار بين الأديان والثقافات تدعمه السعودية ويكون مقره دولة النمسا وهو ما عين إدراك مليكنا لخطر التطرف الديني الذي يضرب هذا العالم.
ثانياً: أن نوقف تحزباتنا حول أنفسنا ونصطف جنباً إلى جنب مع العالم في حركته العلمية والتاريخية والإنسانية. أن لا نتوارى وراء خلافاتنا الجزئية الصغيرة ونتخندق في حروبنا الصغيرة ضد بعضنا كما نرى اليوم في كل موقع سواء بين الدول أو الجماعات أو الفرق الإسلامية أو وفي الإنترنت أوفي التويتر وخلافه من الأشكال التي يبدو أننا نصحو وننام عليها. كل شيء في حياتنا للأسف هو جزء من صراع صغير مع الآخر وليس لمد جسر سلام إليه سواء كان في الداخل أو كان الآخر المجهول؟؟!!
إذن المشكلة في جزء كبير منها هي نحن المسلمين الذين يجب أن نفهم كيف يفكر هؤلاء العنصريون وكيف ينظرون لكل مختلف وأن نجمع قوتنا وجهدنا وعقلنا لفهم ما يحدث ثم نتجمع لمقاومته. وحين نجتمع لا نفعل ذلك لمجد شخصي بل لحمايتنا ثم حماية الإنسانية عامة من كل هذه العنصرية والبغضاء التي يحاول هؤلاء المتطرفون اليمينيون زرعها سواء متطرفوهم أم متطرفونا.
المسلمون في أمريكا على وجه الخصوص وأيضا خارجها بحاجة إلى تعلم اللعبة السياسية التي تستخدمها المؤسسات الأمريكية لعرض قضاياها وسواء وافقنا عليها أم لا.. نحن لا نملك خياراً أمام الآلة المرعبة التي تلوك عالم الإعلام اليوم في الولايات المتحدة وتسمح لهذه الأسماء المتطرفة أن تكون جزءاً من إعلام بغيض ينشر البغضاء ضد المسلمين والأقليات كافة.