رغم أشعة الشمس التي استلقت بغنج تام على الأرض، بدا الجو بارداً أكثر مما يجب! غيمة سوداء ثقيلة مرَّت لترتاح في بطن الشمس، فحجبت ضوءها. صارت الأرض زرقاء كاتمة جافة باردة!
بالرغم من ذلك، توهجت الذكريات الحلوة مثل قطف عنب حلو. هزة كتفه الهزيل من كفّ أبيه وهو يشدّ عود الرجولة فيه. أول سيجارة والعقاب. تزحلقه. سقوطه عند أول قطفة زيتون. نصائح أبيه. أبوه في كلّ رأسه!
والأرض ما زالت زرقاء كاتمة. الغيمة لا تتحرّك. تجلد الأمكنة والذكريات بعتمتها الباردة، وبالوجع المحتمل.
يرفع رأسه: لا عينين تفسران السواد المباغت. عذبته الغربة، والآن تعذبه من عمقه. ست سنوات وجسده عار من الدفء، من حضن أبيه وصفعات يده وتوبيخاته: كن رجلاً يا بنيّ، الرجال أوتاد الأرض.
يترك النافذة. ينظر حوله. الكتب تتقلص. الكتب تقلّ بعدد السنوات التي تمضي بلا عودة: سنة، سنتان، ست سنوات. العام القادم لن تكون هناك كتب طب!
يشعر بنشوة الرجوع، ولكن أي رجوع لو لم يصمد أبوه حتى نهاية العام! للسرطان أرجل وأياد خفية، وها هي بدأت تنهش لحم أبيه الغض، تبتلعه دون هوادة.
تفزعه الفكرة، فلا وطن في الوحدة!
(*) كاتبة فلسطينية
f_shahrour@hotmail.com