ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 24/08/2012 Issue 14575 14575 الجمعة 06 شوال 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

رغم ارتباط الحذاء في عقولنا -أكرمكم الله- بالبشاعة والإهانة وكحالة دونية.. إلا أن مقولة الفيلسوف (لاتزو) الذي عاش في القرن الأول للميلاد بأن (رحلة الألف ميل تبدأ بالحصول على الحذاء المناسب) ما زالت ترن في أذني، وتوحي لي بشيء من الصواب.

وبما أن الحذاء هو حذاء.. بصرف النظر عن لونه وثمنه ونوع ماركته.. وبغض النظر عن كونه رمزاً للأناقة أو الثراء إلا أنه هو عين الحذاء الذي يحملنا في الشوارع وثنايا الطرقات..

وحينما نكتفي بالنظر إليه أو نحدق به ملياً، فلن نظفر بشيء، فجماله أو قبحه أو حتى تكلفته لا تهمنا.. هو مجرد حذاء، لكنه في بعض الحالات يتضمن كثيراً من الرموز والمعاني التي تدعو إلى شيء مغاير يؤجج فلسفة تفاصيل حكايا أحذية صنعت جزءاً من التاريخ أو هزت كيان دولة أو كانت رمزاً لمقاومة، وقد تكون درساً في التربية.. أو مثلاً يُضرب في مواقف الغباء والفشل. حتى في عالم الطفولة كان له حضور!!!! حكاياه أذهلتني بما تحمله من معاني ودلالات.

بداية الدخول لكتابة تفاصيل حكايا الأحذية لا تشبه أي بداية.. فبقدر ما تتماثل نوعاً ما أساليب البداية في طرح فلسفة معينة بقدر ما استعصى علي الأمر في إيجاد كيفية مناسبة أبدأ بها طرح فلسفة حكايا الأحذية.. كيف أبدأ؟ كيف أنتهي؟ سؤالٌ راودني وشغل ذهني!! ولكن وجدت أن النهاية هي الطريق نحو نقطة البداية لفك رموز هوية أحذية كانت مجالاً للدوران في أفق التفكير.. وفضاء الدهشة والحيرة.

لك أن تتخيل عالماً بشرياً بلا أحذية.. فهل يمكن ذلك؟ من المؤكد لا نتخيل أحداً يمشي حافياً إلا النادر ولظروف، ولكن كيف دخلت الأحذية في تركيبة حياتنا اليومية؟!! نحن لا نشعر بقيمة الأشياء إلا إذا كانت هناك مشكلة تعتريها تماماً مثل يد الإنسان فأنت لا تشعر بقيمة وجودها أثناء الاستخدام في الحياة اليومية إلا إذا جُرِحت أو أصابها مكروه لا سمح الله.

الأحذية التي نرفض أن تكون مقلوبة في مداخل بيوتنا هي نفسها التي تشاطرنا حياتنا، فلا نعجب من أحذية -أكرمكم الله- شهد لها التاريخ وصار يُشارإليها بالبنان!! هناك نعلُ موسى عليه السلام الذي أمره الله بخلعه {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنًكَ بِالْوَادِ الْمُقًدسِ طوى}. وهناك نعل الكسائي.. حيث يحدثنا التاريخ العربي عن تسابق الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد على حمل نعلي معلمهما الكسائي احتراما وتقديراً للمعلم الذي بات شبهَ مفقود في هذا الزمن. وفي ثقافتنا العربية نجد خفي حنين هما الأشهر على الإطلاق والأكثر تداولاً على ألستنا حتى صار مثلاً يُضرب للتعبير عن الخيبة والفشل المقترنة بالغباء.. أما التاريخ السياسي فالباع فيه طويل.. ولعل أغرب وسيلة للاغتيال السياسي وأكثرها إذلالاً حسب الروايات التاريخية هي حادثة اغتيال (شجرة الدر) التي لقت حتفها بطريقة مهينة، حيث ضُرِبت (بالقباقب) حتى الموت على أيدي جواريها.

وإذا كانت الأحذية قد ارتبطت بالدموية في حادثة (شجرة الدر) والفشل والخيبة في (خفي حنين) وحسن الخلق والاحترام عند (ابني هارون الرشيد) مع معلمهما الكسائي، نجد أنها ارتبطت بعين الحكمة عند (غاندي).. فيُحكى أنه في يومٍ كان يهرول للحاق بالقطار وقد بدأ بالسير.. وعند صعوده سقطت إحدى فردتي حذائه.. فما كان منه إلا أن خلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى، وعندما سُئِل ما حملك على ذلك أجاب: أحببت للفقير الذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما.

وفي زمن الدكتاتورية والاستبداد، كان الحذاء رمزاً للنرجسية (الأنا).. صانع الأحذية (نيكولاي شاوسيسكو) الذي حكم رومانيا في يومٍ من الأيام وتلذذ بتعذيب شعبه، كان كل يوم يرتدي حذاءً جديداً ثم يحرقه في نهاية النهار حتى لا يرتديه أحد.

أما الإرهاب الذي ألصقه الغرب بالمسلمين، ووُصِفت بلادهم بمنبع الإرهاب، فمن لُقِبَ بمفجر الحذاء بريطاني ويُدعى (ريتشارد ريد) فقد حاول تفجير طائرة متجهة من باريس إلى ميامي عام 2001م باستخدام وسيلة غير مسبوقة عبر إخفاء المتفجرات في حذائه. وفي هذا القرن أيضاً، لسنا بحاجة لإعادة تفاصيل حادثة الحذاء الذي هز العالم، حذاء الصحفي العراقي (منتظر الزيدي) الذي كان هدية الوداع باسم العراقيين (لبوش الابن).

القصص كثيرة ومتعددة.. وما يثير حفيظتي ويدعوني إلى وضع كم من علامات الاستفهام والتعجب حوله!!! لماذا أول ما تفكر فيه الفتيات الصغيرات هو ارتداء أحذية أمهاتهن تقليداً لهن؟ وما الذي يغريهن في أحذية الأم دون غيرها حتى يُسارعن لانتعالها؟ لم أجد تفسيراً واضحاً لذلك!! لكن يبدو أن لعبة الأحذية ممتعة فيشعرن بسعادة غامرة وهي تدغدغ أقدامهن الصغيرة. حتى بعض المراهقين من الأبناء هداهم الله.. فلهم فصول وحكايا مع الأحذية، فمجرد تلويح بالحذاء (أكرمكم الله) أثناء مشادة أو انفعال مع بعضهم البعض يُفَسَر مباشرة أنه الفعل الحاسم الذي سيضع حداً لمشاجرة قائمة وفي مواقف صبيانية أخرى للحذاء متعة عند المراهق عند ما يستخدمه في رَكْل علب (المرطبات) وفرقعة أكياس العصائر.. متعة مذمومة مزعجة.. تؤذي وتثير الضوضاء.

يبدو أني أحتاج شفرة لفك لغز أحذيةٍ أخرى غامضة عَبَرَتْ التاريخ ولم أستطع فهم أو إدراك رموزِها ومعانيها لكن يبقى أجمل الأحذية وأكثرها سحراً وشهرة.. ذلك الحذاء البلوري الساحر الذي يستمد طابعه الأسطوري من الألق المحيط بحكاية خرافية.. (حذاء سندريلا) الذي قادها إلى تحقيق حلمها بالزواج من فارس الأحلام، إنه ألقُ حكايةٍ خرافية ينسينا مدى منطقيةِ الأحداث ويجعلنا نستسلم لسلطة الحكاية ومنطقِها الخاص.

zakia-hj1@hotmail.com
 

عود على بدء
للحذاء أكرمكم الله معنى ودلالة
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة