بعض المسؤولين أكثر ما يهمهم المديح والتطبيل أو ما يُطلق عليه باللغة الدارجة مسح الجوخ. لا يهتمون بكفاءة الموظف وجدارته بل إن بعض الموظفين يدفعون ثمناً باهظاً لصراحتهم في إبداء الرأي في محاولة لتعديل الأوضاع المائلة.
أكثر ما يهم المسؤول من إياهم عين الرضا التي ينظر من خلالها المرؤوس لكل تصرفات وسلوكيات وقرارات مديره حتى ولو كان هذا المرؤوس منفلتاً وغير منضبط وغير مرضٍ عنه من كل المراجعين.
الثناء جميلٌ عندما يكون في محله لكنه يتحول إلى كارثة اجتماعية عندما يوجه لمن لا يستحق نفاقاً وتزلفاً للحصول على مصالح وقتية.
أثارني إعلان توعوي نشرته الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” في عددٍ من الصحف تحت عنوان “مدح المسؤول” حثّت فيه الموظفين على عدم اللجوء لمدح المسؤول بغير ما فيه، واعتبرت النفاق له والمبالغة في الثناء على إنجازاته نوعاً من أنواع الفساد لما يترتب عليه من غرور المسؤول وصرفه عن رؤية الأمور على حقيقتها. هذا الإعلان جاء على بعض الحقيقة لكنه للأسف أخفى معظمها فهل دافع الموظف داخلي ومن تلقاء نفسه ودون مقدمات ليسلك هذا المسلك الخاطئ، أم أن هناك مؤثرات تدفع بعض المرؤوسين للتزلف للرئيس والنفاق والمدح والإطراء؟.
قد تكون المبادرة في التطبيل من المرؤوس لكنه يقلع عن هذا الفعل عندما يصطدم برئيس يمقت هذه السلوكيات ولا يعترف إلا بالعمل والإنجاز وهذا النوع من الرؤساء وأقولها بحسرة قليل!، فأغلب المسؤولين يصدر أوامر غير معلنة وبطريقة غير مباشرة لمن حوله من زبانيته بإغداق المديح عليه فردة فعله أمام كل مادح توحي للجميع بما يرغبه فإن أعطى وأغدق فتح الباب على مصراعيه لمزيدٍ من حالات النفاق وإن منع ورفض قفل كل الأبواب أمام المفسدين، لذا أرى أن هذه المشكلة تكمن بشكلٍ أكبر في شخصية المسؤول فهي التي تحدد نمط السلوك السائد في المؤسسة الإدارية ولو ركزت نزاهة عليها ربما يكون أجدى لأنها في حالتها الآن تبحث في الأعراض بعيداً عن عمق المشكلة. شخصية المسؤول كأنها ترمومتر يحدد مدى تزايد حالات التطبيل وانخفاضها، والمسؤول الواثق من نفسه وقراراته وأسلوبه الإداري لا يتأثر بالمديح بل إن منهم من يحتقر من يلجأ لهذا الأسلوب الرخيص، أما المسؤول الفاقد للثقة بالنفس بسبب شعوره بالنقص في شخصيته والقصور في عمله والارتجال في قراراته فإنه يظهر مهزوزاً مضطرباً “كلمة توديه وكلمة تجيبه” ينتشي بالمدح ويكره النقد.
يقرب المطبلين ويبعد الناصحين علاقته بالإعلام الصادق متوترة لأنه يكشف عيوبه ويعريه، وعلاقته بالإعلام المطبل سمن على عسل، هذا النوع دون مبالغة كثير وينقسم الموظفون وفقا لأسلوبه إلى ثلاثة أقسام، قسم صادق يربأ بنفسه عن الانزلاق في مستنقعات التطبيل وهؤلاء يعيشون على الهامش، وقسم يواجه سيادة الرئيس بالأخطاء وهؤلاء يتعرضون لكل أنواع التضييق والحرمان من كل الفرص، أما القسم الثالث فهم من ينظمون إلى حفلات التطبيل والنفاق طمعاً في الحصول على شرهات الرئيس ومميزاته من خارج دوام وترقيات وانتدابات، والحل في نظري أن تركز نزاهة على الرؤساء من هذا النوع لأنهم أساس المشكلة وليس الموظف المغلوب على أمره.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15