الفروقُ الفردية بين بني البشر في خصائصهم وقدُراتهم، حقيقةٌ لا جدال فيها منذ وُجِد الإنسان على هذا الكوكب.
وكثيرًا ما نتساءل: لماذا يُظهِر الناس اهتمامًا خاصًّا بالأفراد الذين تميَّزوا بقدُراتهم أو مواهبهم في أحد ميادين النشاط الإنسانيِّ التي يقدِّرها المجتمع؟
لقد لاحظ علماء السلوك-من خلال دراساتهم وبحوثهم- أن الموهبة طاقةٌ كامنة في الإنسان، وأن التفوُّق هو نتاجٌ عن تلك الطاقة؛ لذا فإن التفوُّق ينطوي على موهبة كامنة، وليس العكس.
بناء على هذه النتائج؛ أصبحت رعايةُ الموهوبين هي الوسيلةَ المُثلى للوصول إلى التفوُّق؛ فإذا كان المكوِّنُ الرئيس للموهبة وراثيًّا، فإن المكوِّن الرئيس للتفوُّق بيئيٌّ؛ أي:إذا أردنا أن ننهضَ بمجتمعنا ونبنيَه بناءً صحيحًا، فلا بدَّ من الاهتمام بأبنائنا الموهوبين؛ بإتاحة فُرَص التدريب الجيِّد الذي يناسب قدُراتهم - أي: مواهبَهُم - للحصول على عنصر عملٍ متفوِّق بأدائه، وليس إقامة برامجَ تدريبيَّةٍ لأفراد لن يكونوا عند تمامها إلا مخرجات غير مُجدية!
وطبيعيٌّ أن ما سبق يحتاج إلى جهود كبيرة في عمليَّة تحديد الموهوبين «أصحاب القدُرات العالية»، لكنَّ النتائج التي يمكن الوصولُ إليها ستكون مسوِّغًا مشجِّعًا لهذه الجهود؛لأن أيَّ أمَّة في صراعها من أجل البقاء أو السيطرة لا تجد بُدًّا من الاعتماد على أبنائها المتفوِّقين الذي هم بلا ريب أكثر قدرةً وكفايةً في تنفيذ المهامِّ الموكلة إليهم.
وإذا كانت كثير منَّالا يحتكمون لهذا المنطق، فإن ذلك لا يغيِّر من حقيقة الأمر شيئًا، تلك الحقيقة التي تقول: ((إذا أردتَّ التفوُّقَ في مجال عملك - أيًّا كان هذا المجال- فابحث عن الموهوبين))، واعلم أنه لا جدوى من الحلول المؤقَّتة والآنيَّة القائمة على الصَّقل والتلميع؛ وإنما كلُّ الجدوى في التوجُّه بالرِّعاية المبكِّرة لهذه الفئة التي تعدُّ مكوِّنًا أساسيًّا في بناء المجتمع.