المخدِّرات آفة المجتمعات، وسبب رئيس في تتابع الأمراض والأوبئة، والحديث عنها يستحضر إلى الذهن المنظر المقزز الذي تطالعنا به شاشات التلفزيون، الذي نشاهد فيه غرفة سوداء وشخصاً أخذ منه التعب والإرهاق والمرض مأخذه، يحمل بيده حقناً وريدية أو أقراصاً مخدِّرة.
لا شك أن منظراً كهذا يحمل في ثناياه الكثير من الرسائل والعبر إلا أنه، ولاعتبارات كثيرة، من المهم تغيير الكيفية التي يوصل بها الجهاز الإعلامي مثل هذه الرسالة التي تمس جميع أفراد المجتمع رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً.
ولعل واحداً من أهم البرامج التي طالعتنا بها شاشة التلفزيون أخيراً برنامج الثامنة الذي يعده ويقدمه الأستاذ داوود الشريان، والذي كان موضوع حلقته يتمحور حول هذه الآفة وسبل التوعية بمخاطرها، ويطرح تساؤلات حول ما إذا كان ما تم ويتم القيام به من حملات مرئية ومقروءة ومسموعة كافياً لتحجيمها والعمل على الحد منها ومن آثارها القاتلة. مقدم البرنامج أبدع في اختيار ضيوفه الذين مثلوا جهات متعددة من الأجهزة الأمنية، وقطاع الدراسات الاستراتيجية، والقطاع الصحي، وأخيراً الجهاز التوعوي. مثل هذه الحوارات هي ما نحتاج إليه، كما أن مشاركة الجمهور من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مع هذه الجهات وبشكل مباشر، والحوار معهم، ركن أساس في تكامل مثل هذه الجهود المبذولة.
إن التعامل مع آفة المخدرات لا يقتصر على الجانب الأمني وحسب، لكن من المهم أن يتم البحث عن أسباب انتشار هذه الآفة والتعامل مع أسبابها، وليس عرض مضاعفاتها وآثارها في وسائل الإعلام والاكتفاء بذلك.
وأود هنا أن أشير إلى بعض الأعراض الخطيرة للإدمان، وذلك نقلاً عن أحد الاستشاريين، الذي أفاد بأن المدمن يفتقد التركيز عادة، ويميل إلى عدم الاكتراث بمظهره الخارجي، وقد تبدو عليه آثار الاكتئاب والقلق والتوتر، وإضافة إلى ذلك تنتشر بين المدمنين الكثير من السلوكيات السلبية والشاذة والمعادية للمجتمع.
من جانب آخر، أشار الاستشاري إلى أن الإدمان يساعد على نقل عدوى كثير من الأمراض، وعلى الأخص الالتهابات الكبدية ومرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والتيتانوس وأمراض الأعصاب الطرفية، وهذه مضاعفات تتجاوز محاولة إحصائها بمقال.
إن الإدمان والتعود على العقار يثقل على المتعاطي يوماً بعد آخر؛ إذ تزداد نفقات الحصول عليه، ويعمل المتعاطي على زيادة الجرعة بشكل مستمر يوماً بعد آخر؛ وذلك لعدم حصوله على التأثير المتوقع مع الوقت بسبب اعتياد الجسد على العقار.
ومع توقف الاستخدام أو عدم كفاية الجرعات تظهر أعراض الانسحاب على المتعاطي؛ ما يدفعه دفعاً نحو الحصول على المخدر بشتى الطرق. ومع اقتران ذلك بعدم قدرته المادية، ونظراً للمشاكل الصحية والنفسية الشديدة التي يتسبب فيها الإدمان، ينتهي الأمر إلى تنامي سلوك مضاد للمجتمع لدى المدمن قد يؤدي به إلى ارتكاب الجرائم لتأمين المال اللازم للحصول على العقار، وهنا مكمن الخطورة؛ إذ يتجاوز الأمر الحد الشخصي، ويمتد إلى المجتمع كله.
لذا فإنه من المهم التعامل باحترافية، وعلى مختلف المستويات والقطاعات في تحديد أسباب الإدمان، ومن ثم الشروع في العلاج، وقبل هذا وذاك الاهتمام بالوقاية والتوعية عبر الاستخدام الأمثل للإمكانيات الهائلة لوسائل الإعلام المتعددة، التي أصبحت اليوم أقرب إلى المتلقي من أي شيء آخر.