لولا أني أعمل في سلك التعليم وبالتحديد في مجال التوجيه التربوي، المؤسسات الرائدة التي تبني الإنسان المتعلم والقائد معاً لما طرحت فكرة المقال، وهذا مشروع لا أعد بنجاحه 100% وإنما بنسبة نجاح تتراوح ما بين 60% إلى 75%، صناع القرار عالمياً ومحلياً وإقليمياً هم بشر لديهم أدمغة وقدرات شبه متقاربة، وما يتوصلون إليه من قرارات مؤثرة ومهمة ليست إلهاماً ووحياً فحسب، بل هي عصارة ذهن وثمرة مطالعة ونتيجة تفكير وتأمل وتحليل محفوفة بالتوفيق الرباني.
هل فعلاً هناك مشروع يحمل هذا الاسم؟ ما هو؟ من هم مؤسسوه؟ من هم القائمون عليه؟ ما أدوات نجاحه؟
بناء الإنسان المتكامل النمو مشروع يستحق أن نتحدث عنه بكافة جوانبه، ولأن المدرسة هي أمل الآباء والأمهات وولاة الأمر في إصلاح النشء وبنائهم ليكونوا خير عون لبلدهم ووطنهم وأمتهم، فالمشروع ينطلق من فكرة المدرسة المتكاملة التي من خصائصها القيادة التربوية الواعية، ولديها معلمون أكفاء حاملون العلم والأدب معاً، وتحتوي على أجهزة تتناغم مع متطلبات العصر الحديث، ومبانيها راقية ومريحة تلبي رغبة وطموح أولياء الأمور، وتهتم بالأنشطة الهادفة التي تغذي الإنسان وتنمي الكيان، ولديها القدرة لرعاية براعة الموهوب وتوجيهه وتتواصل أيضاً مع ذوي الطالب بكل ود واهتمام.
ومشروع إعداد 1000 مخترع تنطلق فكرته من خلال مدارس بها مراحل التعليم العام جميعاً، من التأسيس حتى الثانوية العامة، رعاية مبكرة وجادة، تعالج المشكلات وتكتشف المواهب وتنمي القدرات وتوسع آفاق المتعلمين وتبني شخصياتهم وترفع من طموحاتهم وتزودهم بأدوات النجاح المختلفة من الثقة بالنفس وتقدير العلم والمعرفة وتوضح لهم أهمية الهمة العالية وعوائقها وكيفية الخلاص منها وتغرس فيهم مبادئ الإسلام وتعاليمه وتربطهم بتاريخهم المجيد منذ عهد النبوة لعهدنا اليوم.
مشروع كهذا يستدعي أن يكون مالك المؤسسة ومؤسسها خاليا من الأطماع الدنيوية البحتة المتوقفة على زيادة الأرباح المالية الذي يرتبط عادة بزيادة عدد الطلاب، الذي يؤول بالمدرسة للدمار والتراجع، وهو مع الأسف ما نشاهده في كثيرٍ من المدارس الأهلية التي تنطلق من رؤية غنية بالعبارات اللامعة التي تجذب الأسر وأولياء الأمور إليها طمعاً في إلحاق أبنائهم في تعليمٍ متطور جادّ، ثم ما تلبث إلا وترى الأعداد تتزايد وتتضاعف بغية كسب المال، وهذا كله منوط على حساب التربية والتعليم، وهو في تقديري طبيعي، فكلما تضاعف العدد قلت جودة التعليم، وتناثرت جهود المعلمين وتلاشى الإبداع الإنساني، وهنا يريد المعلم إبراء ذمته فقط، بدلاً من الإبداع والتميز والعطاء.
ولتحقيق هذا المشروع لابد من الالتزام بأعداد محدودة من الطلاب تتلاءم مع نسبة المعلمين والإداريين الأكفاء، ليتاح للمعلم فرصة الإبداع والابتكار وقبل كل هذا يمنح الإدارة والمعلمين التركيز، وهذا ما لا يهم التاجر، فليس سهلاً أن يتخلى التاجر عن الربحية التي جبل الله عليها الإنسان وميزه وخصه بها إذ قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (20) سورة الفجر، لكن حين تعلو همة صاحب الثروة ويجعل ذلك هدفاً وطنياً تنموياً، يشارك فيه لإعداد جيل المستقبل ويتطلع ويعمل لتحقيقه وإنجازه بعد ثلاثين سنة، يبيت مشروعاً يستحق العمل لأجله والصبر عليه.
تخيلوا معي وصفاً لهذه المدرسة الحديثة التي نتطلع أن تعد لنا 1000مخترع:
1 - هدف غير ربحي.
2 - تعطي ولا تأخذ.
3 - مبان راقية ومجهزة ونظيفة.
4 - إدارة تربوية واعية تعتمد على القيادة.
5 - معلمون أكفاء نبلاء يحملون روح العطاء والمثابرة.
6 - تستقبل عدداً مناسباً من الطلاب.
7 - برامجها وأنشطتها تبني الذات.
8 - التعاون والجودة والدقة قيمها وشعارها.
9 - تحقق الاستقرار الوظيفي للعاملين.
وهي مع ذلك تملك مركزاً إعلاميا متميزاً، يتلاءم مع طموح الطالب ومناه، توظفه دوماً للحديث عن العظماء والعباقرة والمبدعين والقادة، ليصبح في الغد أحد رموز التاريخ المعاصر في مجتمعه وأمته.