كان لابد أن نفرق ما بين ما قُدم في مسلسل عمر والحياة الواقعية التي عاشها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما قُدم على التلفزيون والمحطات هي رؤية المؤلف والمخرج والكاتب مع أسقطات ورمزية لقضايا حاضرة, كما أن تنفيذ العمل جاء مزجاً بين العرض السردي والوثائقي الفني والواقعية التاريخية، بالإضافة إلى المعالجات الدرامية والفنية لكنه قدم صورة بانوراما عن تلك الحقبة التي عاشها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه...
فالفترة التاريخية التي عاشها أمير المؤمنين عمر هي فترة حساسة من سجلنا التاريخي الإسلامي لأسباب داخلية وخارجية، ففي الداخل أبو بكر الصديق خليفة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم رسم ملامح الدولة الإسلامية الجديدة داخل حدود الجزيرة وبانت ملامح الدولة المحلية، ولكنها تحتاج إلى تثبيت وجاء الخليفة عمر ونقلها من محلية لتكون دولة أممية...
وهذا يتطلب عملاً درامياً ضخماً من أجزاء تدعمه دول ومحطات تلفزيونية مشتركة لحياة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه تبرز مراحل حياته السياسية وهي على النحو التالي:
المرحلة الأولى: دوره في قيام الدولة الداخلية في الجزيرة العربية.
المرحلة الثانية: دوره في قيام الدولة الإسلامية خارج الجزيرة العربية.
المرحلة الثالثة: القضاء على الإمبراطورية الساسانية الفارسية ونشر الإسلام في آسيا الوسطى وشرق آسيا.
المرحلة الرابعة: القضاء على الإمبراطورية البيزنطية في الشام ونشر الإسلام في غرب آسيا وجنوب حوض البحر الأبيض المتوسط.
المرحلة الخامسة: التهيئة والإرهاصات الأولى في نشر الإسلام والنفوذ الإسلامي في مصر والشمال الإفريقي وما كان يسمى شمال المغرب وبلاد الإفرنجة.
هذه مرتكزات وبدايات الدولة الإسلامية التي امتد نفوذها شرقاً إلى الصين وغرباً إلى النمسا في أواخر أيام الخلافة الإسلامية العثمانية في القرن الميلادي الماضي. حيث كانت دولة الداخل: من خليج العرب شرقاً وحتى بحر(القلزم) البحر الأحمر غرباً ومن صحراء بادية العراق والشام شمالا وحتى رمال الربع الخالي وشواطئ اليمن على بحر العرب. وفي الخارج في بداية خلافة الخليفة عمر كانت هناك ثلاث إمبراطوريات هي: إمبراطورية فارس في الشرق, وإمبراطورية بيزنطة (الروم) شمالاً وإمبراطورية الحبشة غرباً وجنوباً. وكانت تلك الإمبراطوريات مطبقة على الجزيرة العربية على شواطئها وطرق تجارتها ومفاصلها وثغورها تكتم أنفاس عرب الجزيرة والشام والعراق واليمن حتى جاء الإسلام وتنفس عرب المدن وعرب البادية الصعداء وشموا وللمرة الأولى طعم الحرية الاقتصادية والجغرافية والتحرر والكرامة دون أن يكون هناك كما تقول المصادر علوج الروم ولا عجم فارس ولا حبش إفريقيا...
مسلسل عمر لا يستطيع أن يعالج تلك الخلفيات لأنه ركّز على بعض المحطات في حياة الخليفة عمر بن الخطاب بدأت بالتعريف في هويته الشخصية وإسلامه وأطال في فترة الجاهلية التي كانت على حساب خلافته وقيام الدولة الإسلامية العظيمة.