ما أجمل أن يُقام في المملكة، بلاد الحرمين الشريفين، مجمع للفقه الإسلامي لـ»بيان الأحكام الشرعية في المسائل الفقهية ذات العلاقة بالقضايا المعاصرة من خلال الاجتهاد الجماعي ودون التقيد بمذهب معين»، كما جاء في تنظيم المجمع الصادر بقرار مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة.
فالمملكة حباها الله بهبة ربانية ميَّزتها عن كل بلاد الدنيا بأن جعلها مهبط الوحي وقبلة المسلمين وأرض الحرمين الشريفين التي بزغت فيها شمس الإسلام وانطلقت منها الدعوة إلى دين الله وشَهِدتْ أرضُها معارك الإسلام التأسيسة الخالدة التي شارك فيها الرسول عليه السلام وصحابته الكرام رضوان الله عليهم.
كل هذه الحقائق ليست موضع جدل، وهي تعطي - بحق - لبلادنا ميزة كبرى تفوق أي ميزة أخرى قد تكون وقتية وعابرة بمقاييس التاريخ. لكن وجود الكعبة المشرفة في بلادنا وحقائق التاريخ الأخرى الثابتة المرتبطة بالإسلام تعطي بلادنا، وبكل جدارة، ميزة لا تملكها أي بلاد أخرى، وخصوصاً بين البلدان الإسلامية التي يعيش فيها مئات الملايين من المسلمين الذين يتوجهون كل يوم خمس مرات في صلاتهم إلى أرض الحرمين حيث مكة المكرمة والكعبة المشرفة.
من هنا، يمكن للمملكة، وبهذا الرصيد الكبير، أن تتصدى للفتوى وبيان الأحكام الشرعية بشأن القضايا المعاصرة وما يستجد من أمور في هذا الزمان، وأن تقدم للمسلمين الحلول الشرعية التي يتعطشون لسماعها وسط الصخب الكبير الذي يسود الساحة الفقهية بسبب الاجتهادات الفردية العشوائية.
غير أننا إذا أردنا أن يكون لهذا المجمع الفقهي اعتباره، وأن يصبح مرجعية حقيقية للمسلمين، فإن علينا أن نوسع دائرة التصور تجاه مستجدات العصر، وأن نخرج من إسار النظرة المحلية التي قد تكون قاصرة عندما تنغلق في دائرة صغيرة تختلط فيها تقاليدنا وعاداتنا الاجتماعية الخاصة بنا مع ما يظن البعض منا أنه الإسلام. فالإسلام أكبر من أي مجتمع محدد بعينه، وأكبر من العادات الاجتماعية لأي إقليم أو بلد، بل أنه أكبر من أي ظرف زماني أو مكاني، ولابد أن يكون المجمع الفقهي الجديد مستوعباً لهذه المفاهيم، وإلا فإنه سيكون تكراراً لجهود سابقة ظلت فائدتها محدودة في نطاق ضيق.
إن ما يُفهم من قرار مجلس الوزراء أننا بصدد رؤية متطورة تأخذ في الاعتبار «أهمية الاجتهاد الجماعي دون التقيد بمذهب معين»، وإذا ما تم تنفيذ هذه المبادرة وفق تلك الرؤية فإن ذلك سيكرس مرجعية المملكة في المجالات الفقهية وإطلاق الأحكام الشرعية التي توضح للمسلمين - كل المسلمين في كل مكان - ما يستغلق عليهم فهمه أو عمله تجاه مستجدات زمننا الحاضر.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض