|
الدمام - ظافر الدوسري:
كما الفخ .. تنصب العوائق الإدارية شراكها أمام القضاة، لينغمس الكثيرون منهم في متاهاتها البعيدة كل البعد عن الوظيفة التي اختيروا لها، وبعض من هؤلاء يفترض أنهم يباشرون قضايا أمام محاكم تجارية، تأخر انشاؤها على الرغم من الحاجة الملحة لها في دفع التطور ومواكبته في المجالين الاقتصادي والتجاري .. فضلا عما هو مأمول منها في اجتذاب المستثمرين وفي إعادة الأموال الوطنية من الخارج، علاوة على دورها الهام في تعزيز الثقة بنظامنا الاقتصادي المدعوم بخلفية قضائية تؤمن أسباب استقراره وتطوره وتخليصه من الشوائب التي تعرقل انطلاقته.
فرص ضائعة
لكن: لماذا تأخر إنشاء المحاكم التجارية التي تزداد الحاجة إليها وماهي آثار ذلك وأضراره على مجمل الوضع الاقتصادي والتجاري..؟
للإلمام بجوانب الموضوع المهــم التقت ( الجزيرة) بمختصين في مختلف فروع القانون والشريعة، وقد حذروا فيما يتصل بأضرار تأخير إنشاء المحاكم التجارية بأن ذلك يتسبب في تفويت فرص تجارية، وعزوف عن الاستثمار، مع شرود رؤوس أموال وطنية وغيرها من الخسائر والأضرار على رجل الأعمال السعودي والمستثمر الأجنبي وبالتالي المجتمع.
المرجعية الواحدة
المختصون حذروا من أن التأخير يعرض الكثير القضايا التجارية إلى الاجتهاد الفردي للقضاة والإبقاء على السلطة التقديرية للقاضي في كثير من القضايا مما يعنى أن الحكم يمكن أن يختلف من قاض إلى آخر في بعض المسائل بسبب عدم وجود مرجعية واحدة في النظام (نص صريح ومفصل)، مشيرين إلى المرسوم الملكي بتطوير القضاء على وجه السرعة قبل أكثر من 5 سنوات، بعد أن أمر خادم الحرمين الشريفين أطال الله عمره بــ (7) مليارات ريال لهذا الغرض، حيث توجد ملفات تجارية ومالية معلقة تنتظر وجود هذه المحاكم، ومنها المساهمات المتعثرة في شركات توظيف الأموال من فترة طويلة.
أضرار الغياب
ويبدو أن السلبيات الناجمة عن غياب المحاكم التجارية كثيرة ومتعددة بل ومؤلمة، ويقول الدكتور فهد الزبن، مستشار شرعي وقانوني ومحكم تجاري دولي، أن تأخر انشاء المحاكم له أضرار على المستثمر السعودي والأجنبي على حد سواء، حيث يكون للمستثمرين دعاوى تتطلب سرعة النظر فيها، وهم يضطرون إلى اللجوء للمحكمة العامة، وقد يتعين عليهم الانتظار لعدة أشهر، وعند أول جلسة قد يحكم القاضي بعدم الاختصاص ولائيا، وأن المسألة اختصاص ديوان المظالم، وبالعكس، وهذا كله بسبب عدم إنشاء المحاكم التجارية مما قد يؤثر على المستثمرين، وهذا ينعكس سلبا على الاستثمار بالمملكة حيث قد يتوقف عمل الشركة، أو إيقاف حساباتها في البنوك، حيث يستوجب النظر في الدعوى الواحدة وحتى يكتسب حكمها الصفة القطعية من سنتين لثلاث سنوات، وقد تزيد المدة، وهذا قد يطيح بحقوق الكثيرين من المستثمرين.
مسوغات التأخير إذن لماذا التأخير في انشائها ؟
يرى الدكتور محمود حمزة المدني، وهو مستشار قانوني وعضو الجمعية العلمية القضائية السعودية أن احتمالات التأخير تشمل ما يتصل بآلية تنفيذ النظام القضائي التجاري (التي ستكون المحاكم التجارية خاضعة له) حيث يمر بمراحل دراسة وبحث ومراجعة وتدقيق وتمحيص في مواده وبنوده وتفصيلاته وتنظيماته وتطبيقاته من قِبل علماء وقضاة وخبراء ومشرعين وفقهاء في الشريعة والقانون والشـؤون الإدارية والتجارية، أملا في أن لا يتعارض النظام وآلية تنفيذه مع الشريعة الإسلامية، والسبب الثاني يعود للعدد البسيط وغير الكافي من القضاة، أما السبب الثالث فيعود إلى تشعب وكثرة الأنظمة القانونية التي تحكم التجارة في السعودية..
ومن جانبه، فقد أمن المحامي الدكتور فهد الزبن، مستشار شرعي وقانوني ومحكم تجاري دولي، على ما ذهب اليه دكتور المدني فيما يتصل بقلة القضاة وخاصة في المجال التجاري، وأشار إلى ازدياد الدعاوى عاما بعد آخر وتكدسها، بزيادة سنوية قد تصل إلى 80% بينما لا نجد زيادة مناظرة لها في عدد القضاة، ولا حتى بنصف تلك النسبة، مما يؤثر في إنشاء هذه المحاكم خصوصا وأن القضاة محصورون حاليا في خريجي كلية الشريعة فقط.
.. والحل
ومن الواضح بالنظر إلى اهمية تلك المحاكم أن الحاجة ملحة لايجاد حلول من شأنها توفير السبل لانطلاقتها، ويبرز في هذا المقام توفير الكوادر اللازمة، حيث يرى الدكتور الزبن ضرورة استقطاب خريجي القانون والأنظمة بالمملكة وتعيينهم قضاة أو مستشارين بالمحاكم التجارية ومحاكم الأحوال الشخصية والمحاكم العمالية لتخفيف العبء على المحاكم العامة والمحاكم الجزائية، وذلك كون الفقرة (د) من المادة الحادية والثلاثين من الفصل الأول من الباب الرابع من نظام القضاء أوضحت بان من يولى القضاء (يكون حاصلا على شهادة كلية الشريعة بالمملكة أو شهادة أخرى معادلة لها ..) .
ويتفق المحامي فهد بن حبيب الدغيلبي مع ما ذهب اليه الدكتور الزبن فيما يتصل بعدم اقتصار القضاء على خريجي الشريعة الإسلامية، وقال أنه بالإمكان الاستعانة بخريجي الجامعات من متخصصي الأنظمة على أن يتم تأهيلهم وإلحاقهم بدورات اقتصادية وتجارية ليكونوا علي دراية كاملة بالأوضاع ذات الطبيعة التجارية ولكي يقوموا بدورهم المنوط بهم..
ويواصل الدغيلبي بأن من الأمور التي يتطلبها القضاء التجاري أيضا تطوير الكادر الموجود من القضاة، وقصر الترافع أمام المحاكم التجارية على المحامين المرخص لهم من وزارة العدل، حفظاً لحقوق المتداعين وصدور حكم تجاري ذي طبيعة احترافية مهنية يمكن الاستعانة به كسابقة قانونية، لافتا إلى أن الإجراءات القضائية التي يتطلب الأمر تطويرها عند تفعيل هذه المحاكم هي توحيد الأنظمة وتطويرها، نظراً لوجود أنظمة قديمة تحتاج إلى دراسة وإعادة صياغة، لتتناسب مع التطورات والمتغيرات التجارية العالمية.
التعليم وسوق العمل
وينظر المحامي الدغليبي إلى مسألة توفير الكوادر من منظور أوسع مشيرا إلى أن المؤسسات التعليمية لا تأخذ بعين الاعتبار حاجات سوق العمل، وأنها بالتالي لا تلبي بشكل واضح وكامل احتياجات المجال القضائي وخاصة المحاكم التجارية، ودعا إلى الاهتمام بمجال القانون وتنوع الدراسات القانونية وزيادة التخصصات داخل كليات القانون لتخريج دفعات تُكفي الاحتياجات وبإنشاء مراكز تدريب لتأهيل وتدريب خريجي القانون والقضاة حديثي التعيين وإلحاقهم بدورات في مجال الاقتصاد والتجارة.
مزايا هائلة
وفي المقابل فإن هناك مزايا عديدة تكمن في صلب وجود محاكم تجارية، وفي هذا الصدد يقول الشيخ عماد بن سالم المهيني القاضي بالمحكمة الإدارية بالدمام: « لا يغيب عند الملم بشؤون التقاضي ما يلزم أن تتسم به المنازعات التجارية من عاملي؛ السرعة والأمان، وهذان العنصران اللذان يمدان العملية التجارية بما يوائم حركتها المتقافزة كعنصر جاذب واستثماري لرؤوس الأموال المحلية منها والأجنبية، إذ أن توفر محكمة منفصلة للنزاعات بين التجار من شأنه تعزيز هذين العنصرين الأساسيين في العملية التجارية».
سباق مع الزمن
من جهته دعا فضيلة الشيخ مطرف البشر، القاضي بمحكمة القطيف الجزئية، إلى التعجيل بفصل المحاكم التجارية : « هذه المسألة يجب ألا تتأخر أكثر من ذلك للفوائد المرجوة من هذا الفصل كي تتمتع تلك المحاكم باستقلال كبير سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي».
وحذر البشر من التأخير: « كل يوم يمضي نخسر فيه أكثر، ولا يخفى أن الاقتصاد عصب الحياة، وأن رأس المال ـ كما يقال ـ جبان، فإذا لم يجد البيئة القضائية الواضحة والعادلة لا يمكن أن يخاطر، لذلك من الأهمية بمكان إسراع الخطوات لترى هذه المحاكم المتخصصة النور مع دعم كامل لقيامها بدورها على أكمل وجه». كذلك أشار البشر إلى أن القضايا التجارية كثيرة جدا ومتنوعة والتخصيص سيجعل تراكم هذه القضايا يختفي أو يقل. مشيراً إلى أن البلد لديه رؤوس أموال ضخمة في الخارج، وأن وجود مثل هذه المحاكم سيشجع هذه الأموال للعودة إلى أرض الوطن، مضيفا :»من أجل تحقيق نهضة اقتصادية يجب إن نبادر قبل أن يفوتنا القطار، وليس لنا عذر، فخادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ أصدر الأوامر، وتم اصدار المبالغ و لم يبق إلا التحرك والمبادرة لعلنا نستطيع تدارك ما فاتنا».