اللعب في مقام العمل، والعمل في مقام اللعب، تلك هي معضلة المتخلفين، في عدد من أنظمة الدول الإسلامية، و العالم في قلب القرن الحادي والعشرين.
إن ضعف دول إسلامية معروفة يكمن في الخلط بين نهج وآخر، أو حذف واحد على حساب آخر،
فيغدو التآمر على الذات و على صورة المسلمين ديدنا يوميا، مُتحوّلا، مع مرور السنوات، إلى إستراتيجية، يُخيّل لأصحابها أن بإمكانهم تعميمها على الوطن الإسلامي، وإلا فتصديرها باختراق أمن وسلامة المسلمين، بشعارات وأقنعة وبراقع، جليّ فيها العنصرية و النفس الإمبراطوري، و الإحساس العميق بالأقلوية و الدونية0
هكذا.. قد يكون أصحاب هذه الإستراتيجية العنصرية، الذين أسقطوا بلدهم إلى الدرك الأسفل، مُحاولين أن يعيدوا صناعة تاريخهم الإمبراطوري العنصري، بالغوا كثيرا في مستوى قدراتهم، فعملوا في مقام اللعب و لعبوا في مقام العمل. بل هم منحوا للغتهم سيطرة ً ما على أوهام لم يعد للواقع فيها أي أثر، ومنحوا ـ بالمقابل ـ لأوهام أخرى، سيادة ً، ليست لها، على خرافات يحسبونها قيما و رموزا.
من هنا عرّض أصحاب تلك الإستراتيجية الغيبية الواهمة مجتمعاتهم نفسها للخسائر المتوالية، على كل الأصعدة.
في دعوته لقمة استثنائية للتضامن الإسلامي، ينظر الملك عبد الله بن عبد العزيزآل سعود، إلى أن “ قوة أشياء العصر “، حسب تعبيره، التي يُواجهها المسلمون، فضَحتْ كل المذاهب و العقائديات الوضعية المُؤدلجة، بعدما تبادل كلّ منها دور تعرية الآخر، عبر تجاربه المُشينة بحق الشعوب، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و ما تلاها بعد سقوط حائط برلين، نتيجة انفصامها الكليّ عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها. مُلاحظا انكشاف مُفارقات و تناقضات عجيبة، حتى الاضمحلال، في كل مذهب و ايديولوجية، من جهة، وبينها و بين بعضها، من جهة أخرى، ما برهن على أن “ العقيدة الوضعية البشرية “ ( حتى لو تدثـّرت، شعبويا، بشعارات إسلامية سطحية )، هي، حقا، ذئب.. “ العقيدة الوضعية البشرية “.
يُصرّ خادم الحرمين الشريفين على ضرورة التيقّظ إلى تحلّل كثير من المفاهيم و العقائد الوضعية والخرافية، التي سادت القرنين التاسع عشر و العشرين، فاضطر أهلوها، بعدما أصابتهم نكباتها، إلى التبرؤ منها و من عواقبها.
في “ حالة الجريان الدائم للزمان “، كما يعتقد الملك عبد الله، تتجلى قدرة رجل الدولة في استخدامه للظروف الموضوعية، بتطوراتها التي لا تقبل الجمود، الاستخدام الكفيل بتدعيم كرامة الفرد ـ الإنسان، معنويا وماديا.
كرامة الإنسان طبيعة أساس في الإسلام النقي الصافي، كما اُنزل وحيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع مراحل تطبيقه، فيُشدّ خادم الحرمين الشريفين الإنتباه إلى أنه من المملكة العربية السعودية : “ من هذا المكان، من أرض النبوة ـ يقول الملك عبد الله ـ انطلقت دعوة الإسلام، مُعلنة ً وحدانية الخالق، و مُنهية ً عبودية الإنسان للإنسان “.
دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إلى القمة الإستثنائية للتضامن الإسلامي، لأنه زعيم جُبل على التميّز بإسلوب الحوار لا بإسلوب السرد التعليمي التقريري، لكي يَبْلغَ بالمسلمين إلى الحقيقة ومُعاينتها، فيُذكّر الجميع، و البشرية تتصارع مذهبيا، ودينيا، وعرقيا، و ثقافيا، أن الحضارة الإسلامية قامت بمثابة “منارة الإشعاع، فأخذت منها الحضارات الأخرى روح التسامح والعدل، وفتحت الطريق للبشرية بما أنجزته من فقه وفكر وعلم وأدب”، حسب تعبيره.
في جوهر تفكير خادم الحرمين الشريفين صورٌ مُفعمة بالحيوية المُحفـّزة، باطنها يعتملُ بروح إنسانية وثـّابة، لا تعرف لحبّ الإنسان حدودا و لا سدودا.
و ها إنه يتقدم المسلمين نحو المرتفعات الشاسعة التي تـُضيئها الشمس بفضيلة التنوير، التي تسكن أعماق كل مسلم، بعد أن رانَ عليها غبار الإنسداد الفكري، عند بعض أنظمة الدول الإسلامية، ولا سيما في إيران و سورية و لبنان والعراق.
إنها أصالة عبد الله بن عبد العزيز العروبية الإسلامية، تتدفّق مثل شلال على روح كل مسلم في العالم، التي غفلت، طويلا، عن أن الحضارة العربية الإسلامية، “كانت ـ كما يقول ـ فيصل التنوير في عهود الظلمات”.
يُريد الملك عبد الله، في مؤتمر القمة الإستثنائي للتضامن الإسلامي، أن يحضّ المسلمين كافة، و بشكل عملي مُمنهج، على ضرورة وعي الحاضر كله ليستطيعوا تحديد موقعهم مما يجري في عالمهم، وفي العالم كله، و يستعدّوا لما سيجري، فيلتزموا، بالتالي، بدورهم الخلاّق، كي يؤسسوا حاجة العالم لهم، و ذلك قمينٌ باستقرار مجتمعاتهم و ازدهارها.
يُؤسس خادم الحرمين الشريفين لعصر إسلامي يُعلن العصيان على التخلـّف، وضد اللعب في مقام العمل، و العمل في مقام اللعب ، فيُخاطب المسلمين كافة، بالقول :
“ إن عصرنا هذا توسّع في نقل الأفكار، بانفتاح، لم تعهده الإنسانية في تاريخها. فهل نجـْفل منها ؟ أم نفتح بيتنا التاريخي، وميراثنا العظيم، في أروع القيم والمفاهيم والمسؤوليات، وهي تتصدى لدورها الأخلاقي، بثوابت دينها الإسلامي. لذلك، علينا أن نـُمارس حقنا مع التاريخ، بثقة المؤمن، المُتوكل على الله، في كل حوار يخدم عقيدتنا الإسلامية، ومبادىء السلام و الإنسانية في هذا العالم، وفق رؤية نستمدّها من رحابة ديننا العالمي”.
عينٌ لعبد الله بن عبد العزيز..ترى. أخرى ترى، إنما فيها عينٌ تقرأ وتفهم. وعينٌ فيها عينٌ هي.. الحكمة.
Zuhdi.alfateh@gmail.comفيينا